منتفع به فجاز بيعه كالثوب وقوله لا ينتفع بعينه يبطل بالبهائم التي لا يحصل منها نفع سوى النتاج ويفارق الحشرات التي لا نفع فيها أصلا، فإن نفع هذه كثير لأن الحرير الذي هو أشرف ملابس الدنيا إنما يحصل منها (فصل) ويجوز بيع النحل إذا شاهدها محبوسة بحيث لا يمكنها أن تمتنع، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعها منفردة لما ذكر في دود القز. ولنا أنه حيوان طاهر يخرج من بطونها شراب فيه منافع للناس فجاز بيعه كبهيمة الأنعام واختلف أصحابنا في بيعها في كواراتها فقال القاضي لا يجوز لأنه لا يمكن مشاهدة جميعها ولأنها لا تخلو من عسل يكون مبيعها معها وهو مجهول، وقال أبو الخطاب يجوز بيعها في كواراتها ومنفردة عنها فإنه يمكن مشاهداتها في كواراتها إذا فتح رأسها ويعرف كثرته من قلته وخفاء بعضه لا يمنع صحة بيعه كالصبرة وكما لو كان في وعاء فإن بعضه يكون على بعض فلا يشاهد الا ظاهره والعسل يدخل في البيع تبعا فلا تضر جهالته كأساسات الحيطان فإن لم يمكن مشاهدة النحل لكونه مستورا باقراصه ولم يعرف لم يجز بيعه لجهالته (فصل) ذلك الخرقي أن الترياق لا يؤكل لأنه يقع فيه لحوم الحيات فعلى هذا لا يجوز بيعه لأن نفعه إنما يحصل بالاكل وهو محرم فخلا من نفع مباح فلم يجز بيعه كالميتة، ولا يجوز التداوي به ولا بسم الأفاعي (1) فاما السم من الحشائش والنبات فإن كان لا ينتفع به أو كان يقتل قليله لم يجز بيعه لعدم نفعه وان انتفع به وأمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا جاز بيعه لأنه طاهر منتفع به أشبه بقية المأكولات (فصل) ولا يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ قولا واحدا قاله ابن أبي موسى، وفي بيعه بعد الدبغ عنه خلاف، وقد روى حرب عن أحمد أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وأما غير ذلك نحو ريش الطير التي لها مخلب أو بعض جلود السباع التي لها أنياب فإن بيعها أسهل لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن أكل لحومها والصحيح عنه أنه لا يجوز وهذا ينبني على الحكم بنجاسة جلود الميتة وانها لا تطهر بالدباغ وقد ذكرنا ذلك في بابه (فصل) فاما بيع لبن الآدميات فقال أحمد أكرهه. واختلف أصحابنا في جوازه فظاهر كلام الخرقي جوازه لقوله وكل ما فيه المنفعة وهذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي، وذهب جماعة من أصحابنا إلى تحريم بيعه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لأنه مائع خارج من آدمية فلم يجز بيعه كالعرق ولأنه من آدمي فأشبه سائر أجزائه، والأول أصح لأنه لبن طاهر منتفع به فجاز بيعه كلبن الشاة، ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر فأشبه المنافع ويفارق العرق فإنه لا نفع فيه ولذلك لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها وسائر اجزاء الآدمي يجوز بيعها فإنه يجوز بيع العبد والأمة وإنما حرم بيع الحر لأنه ليس بمملوك وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لا نفع فيه (2) (فصل) واختلفت الرواية في بيع رباع مكة وإجارة دورها فروي أن ذلك غير جائز وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي عبيد وكرهه إسحاق لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة " لا تباع رباعها ولا تكدري بيوتها " رواه الأثرم باسناده وعن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مكة حرام بيع رباعها حرام إجارتها " وهذا نص رواه سعيد بن منصور
(٣٠٤)