احتكر فهو خاطئ " وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج مع أصحابه فرأى طعاما كثيرا قد القى على باب مكة فقال ما هذا الطعام؟ فقالوا جلب إلينا فقال بارك الله فيه وفيمن جلبه فقيل له فإنه قد احتكر قال ومن احتكره؟ قالوا فلان مولى عثمان وفلان مولاك فأرسل إليهما فقال ما حملكما على احتكار طعام المسلمين قالا نشتري بأموالنا ونبيع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من احتكر على المسلمين طعامهم لم يمت حتى يضربه الله بالجذام أو الافلاس " قال الراوي فاما مولى عثمان فباعه وقال والله لا احتكره أبدا وأما مولى عمر فلم يبعه فرأيته مجذوما، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " (فصل) والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط (أحدهما) أن يشتري فلو جلب شيئا أو ادخل من غلته شيئا فادخره لم يكن محتكرا روي عن الحسن ومالك وقال الأوزاعي الجالب ليس بمحتكر لقوله " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " ولان الجالب لا يضيق على أحد ولا يضربه بل ينفع فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه (الثاني) أن يكون المشترى قوتا فأما الادام والحلواء والعسل والزيت واعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم. قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن أي شئ الاحتكار؟ قال: إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول عبد الله بن عمرو، وكان سعيد بن المسيب وهو راوي حديث الاحتكار يحتكر الزيت قال أبو داود كان يحتكر النوى والخبط والبزر ولأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها فأشبهت الثياب والحيوانات (الثالث) أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين (أحدهما) أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور قال أحمد الاحتكار في مثل مكة والمدينة والثغور، فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والحلب كبغداد والبصرة ومصر لا يحرم فيها الاحتكار لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبا (الثاني) أن يكون في حال الضيق بان يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها ويضيقون على الناس، فأما إن اشتراها في حال الاتساع والرخص على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحرم {مسألة} قال (وبيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل) وجملة ذلك أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم وكرهه الشافعي وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمرا فهو محرم، وإنما يكره إذا شك فيه وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه مسكرا قال الثوري بع الحلال ممن شئت واحتج لهم بقول الله تعالى (وأحل الله البيع) ولان البيع تم بأركانه وشروطه ولنا قول الله تعالى (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وهذا نهى يقتضي التحريم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن في الخمر عشرة فروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها. أخرج هذا الحديث الترمذي من حديث أنس وقال
(٢٨٣)