اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب النهي وكونه يتخذ حيلة على شراء التمرة قبل بدو صلاحها أو شراء الرطب بالتمر من غير كيل من غير حاجة إلى أكله رطبا وههنا ما ارتكب نهيا ولا يجعل هذا طريقا إلى فعل المحرم، وجمع أبو الخطاب بينهما فقال في الجميع روايتان (إحداهما) يبطل العقد (والأخرى) لا يبطل، وقال القاضي ان كانت الثمرة للبائع فحدثت ثمرة أخرى قيل لكل واحد اسمح بنصيبك لصاحبك فإن فعله أحدهما أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول لأنه يزول به النزاع وان امتنعا فسخنا العقد لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه، وان اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى لم نقل للمشتري اسمح بنصيبك لأن الثمرة كل المبيع فلا يؤمر بتخليته كله ونقول للبائع ذلك فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرناه على القبول والا فسخ البيع بينهما، وهذا مذهب الشافعي، قال ابن عقيل لعل هذا قول لبعض أصحابنا فإنني لم أجده معزيا إلى أحمد والظاهر أن هذا اختيار القاضي وليس بمذهب لأحمد ولو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى لم ينفسخ البيع والحكم فيه كالحكم في الثمرة تحدث معها أخرى والله أعلم (فصل) إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد الا مرة كالحنطة والشعير والقطاني وما المقصود منه مستتر كالجزر والفجل والبصل والثوم وأشباهها فاشترطه المشتري فهو له قصيلا كان أو ذا حب مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع للأرض فلم يضر جهله وعدم كماله كما لو اشترى شجرة فاشترط ثمرتها بعد تأبيرها وان أطلق البيع فهو للبائع لأنه مودع في الأرض فهو كالكنز والقماش ولأنه يراد للنقل فأشبه الثمرة المؤبرة، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا ويكون للبائع مبقى في الأرض إلى حين الحصاد بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة له، وعليه حصاده في أول وقت حصاده وإن كان بقاؤه أنفع له كقولنا في الثمرة، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة عليه نقله عقيب البيع كقوله في الثمرة وقد مضى الكلام فيها وهكذا قال الحكم في القصب الفارسي لأن له وقتا يقطع فيه الا أن العروق تكون للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب نفسه كالثمرة وان لم يظهر منه شئ فهو للمشتري وأما قصب السكر فإنه يؤخذ مرة واحدة فهو كالزرع فإن حصده قبل الحصاد لينتفع بالأرض في غيره لم يملك الانتفاع بها لأن منفعتها إنما حصلت مستثناة عن مقتضي العقد ضرورة بقاء الزرع فتقدر ببقائه كالثمرة على الشجرة وكما لو كان المبيع طعاما لا ينقل مثله عادة الا في شهر لم يكلف الا ذلك فإن تكلف نقله في يوم واحد لينتفع بالدار في غيره لم يجز كذلك ههنا ومتى حصد الزرع وبقيت له عروق تستضربها الأرض كعروق القطن والذرة فعلى البائع ازالتها وان تحفرت الأرض فعليه تسوية حفرها لأنه استصلاح لملكه فصار كما لو باع دارا فيها خابية كبيرة لا تخرج الا بهدم باب الدار فهدمها كان عليه الضمان، وكذلك كل نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك الآخر من غير اذن الأول ولا فعل صدر عنه النقص واستند إليه كان الضمان على مدخل النقص (فصل) وان باع أرضا وفيها زرع يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع سواء كان مما يبقى سنة كالهندبا والبقول أو أكثر كالرطبة وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في
(١٩٧)