بمكة على وجه الاستخلاص لنفسه لا يحل وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ألا تبني لك بمنى بيتا؟
فقال " منى مناخ لمن سبق " (فصل) قال أحمد لا أعلم في بيع المصاحف رخصة ورخص في شرائها وقال الشراء أهون وكره بيعها ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وسعيد بن جبير وإسحاق وقال ابن عمر وددت أن الأيدي تقطع في بيعها وقال أبو الخطاب يجوز بيع المصحف مع الكراهة وهل يكره شراؤه وابداله؟ على روايتين، ورخص في بيعها الحسن والحكم وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي لأن البيع يقع على الجلد والورق وبيع ذلك مباح، ولنا قول الصحابة رضي الله عنهم ولم نعلم مخالفا في عصرهم، ولأنه يشتمل على كلام الله تعالى فتجب صيانته عن البيع والابتذال، وأما الشراء فهو أسهل لأنه استنقاذ للمصحف وبذل لما له فيه فجاز كما أجاز شراء رباع مكة واستئجار دورها من لا يرى بيعها ولا أخذ أجرتها وكذلك أرض السواد ونحوها وكذلك دفع الأجرة إلى الحجام لا يكره مع كراهة كسبه، وان اشترى الكافر مصحفا فالبيع باطل وبه قال الشافعي وأجازه أصحاب الرأي وقالوا يجبر على بيعه لأنه أهل للشراء والمصحف محل له ولنا أنه يمنع من استدامة الملك عليه فمنع من ابتدائه كسائر ما يحرم بيعه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم فلا يجوز تمكينهم من التوصل إلى نيل أيديهم إياه (فصل) ولا يصح شراء الكافر مسلما وهذا قول مالك في أحدى الروايتين عنه والشافعي في أحد القولين، وقال أبو حنيفة يصح ويجبر على إزالة ملكه لأنه يملك المسلم بالإرث ويبقى ملكه عليه إذا أسلم في يده فصح شراؤه له كالمسلم، ولنا أنه يمنع استدامة ملكه عليه فمنع ابتداءه كالنكاح ولأنه عقد يثبت الملك على المسلم للكافر فلم يصح كالنكاح، والملك بالإرث والاستدامة أقوى من ابتداء الملك بالفعل والاختيار بدليل ثبوته للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه فلا يلزم من ثبوت الأقوى ثبوت ما دونه مع أننا نقطع الاستدامة عليه بمنعه منها واجباره على إزالتها (فصل) ولو وكل كافر مسلما في شراء مسلم لم يصح الشراء لأن الملك يقع للموكل ولان الموكل ليس بأهل لشرائه فلم يصح أن يشتري له كما لو وكل مسلم ذميما في شراء خمر؟ وان وكل المسلم كافرا يشتري له مسلما فاشتراه ففيه وجهان (أحدهما) يصح لأن المنع منه إنما كان لما فيه من ثبوت ملك الكافر على المسلم والملك يثبت للمسلم ههنا فلم يتحقق المانع (والثاني) لا يصح لأن ما منع من شرائه منع التوكيل فيه كالمحرم في شراء الصيد والكافر في نكاح المسلمة، والمسلم لا يجوز أن يكون وكيلا لذمي في شراء خمر (فصل) وان اشترى الكافر مسلما يعتق عليه بالقرابة كأبيه وأخيه صح الشراء وعتق عليه في قول بعض أصحابنا وحكى فيه أبو الخطاب روايتان (أحدهما) لا يصح وهو قول بعض الأصحاب لأنه شراء يملك به المسلم فلم يصح كالذي لا يعتق عليه ولان ما منع من شرائه لم يبح له شراؤه وان زال ملكه عقيب الشراء كشراء المحرم الصيد (والثانية) يصح شراؤه لأن المنع إنما ثبت لما فيه من إهانة المسلم بملك الكافر له والملك ههنا يزول عقيب الشراء بالكلية ويحصل من نفع الحرية أضعاف ما حصل من الإهانة