موضع حكمنا بقبول إقراره بالقصاص فحكمه حكم الثابت بالبينة فلولي الجناية العفو والاستيفاء والعفو على مال فإن عفى تعلق الأرش برقبة العبد على ما مر بيانه، ويحتمل أن لا يملك العفو على مال لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الاقرار بمال {مسألة} قال (وبيع الكلب باطل إن كان معلما) لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل أي كلب كان، وبه قال الحسن وربيعة وحماد والأوزاعي والشافعي وداود وكره أبو هريرة ثمن الكلب، ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله وعطاء والنخعي، وجوز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها وأخذ أثمانها، وعنه رواية في الكلب العقور أنه لا يجوز بيعه، واختلف أصحاب مالك فمنهم من قال لا يجوز ومنهم من قال الكلب المأذون في إمساكه يجوز بيعه ويكره، واحتج من أجاز بيعه ما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب الصيد، ولأنه يباح الانتفاع به ويصح نقل اليد فيه والوصية به فصح بيعه كالحمار.
ولنا ما روى أبو مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن متفق عليه، وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث " متفق عليهما وروي عن ابن عباس أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فإن جاء يطلبه فاملؤا كفه ترابا رواه أبو داود. ولأنه حيوان نهي عن اقتنائه في غير حال الحاجة إليه أشبه الخنزير أو حيوان نجس العين أشبه الخنزير. فأما حديثهم فقال أحمد هذا من الحسن أبي جعفر وهو ضعيف، وقال الدارقطني الصحيح أنه موقوف على جابر وقال الترمذي لا يصح إسناد هذا الحديث وقد روي عن أبي هريرة ولا يصح أيضا، ويحتمل أنه أراد ولا كلب صيد، وقد جاءت اللغة بمثل ذلك. قال الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمرو أبيك الا الفرقدان أي والفرقدان ثم هذا الحديث حجة على من أباح بيع غير كلب الصيد (فصل) ولا تجوز اجارته نص عليه أحمد وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يجوز لأنها منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها كنفع الحمير. ولنا أنه حيوان يحرم بيعه لخبثه فحرمت اجارته كالخنزير وقياسهم ينتقض بضراب الفحل فإنها منفعة مباحة ولا يجوز إجارتها ولان إباحة الانتفاع لم تبح بيعه فكذلك اجارته ولان منفعته لا تضمن في الغصب فإنه لو غصبه غاصب مدة لم يلزمه لذلك عوض فلم يجز أخذ العوض عنها في الإجارة كنفع الخنزير.
(فصل) وتصح الوصية بالكلب الذي يباح اقتناؤه لأنها نقل لليد فيه من غير عوص وتصح هبته لذلك وقال القاضي لا تصح لأنها تمليك في الحياة أشبهت البيع والأول أصح ويفارق البيع لأنه يؤخذ عوضه وهو محرم ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين