يختار المولى الفداء فلا بد من بيان ما تظهر به هذه الجناية وبيان حكم هذه الجناية وبيان صفة الحكم وبيان ما يصير به المولى مختارا للفداء وشرط صحة الاختيار وبيان صفة الفداء الواجب عند الاختيار أما الأول فهذه الجناية تظهر بالبينة واقرار المولى وعلم القاضي ولا تظهر باقرار العبد محجورا كان أو مأذونا لان العبد يملك بالاذن بالتجارة ما كان من مال التجارة والاقرار بالجناية ليس من التجارة وإذا لم يصح اقراره لا يؤخذ به لا في الحال ولا بعد العتاق لان موجب اقراره لا يلزمه وإنما يلزم مولاه فكان هذا اقرارا على المولى حتى لو صدقه المولى صح اقراره وكذلك لو أقر بعد العتاق انه كان جنى في حال الرق لا شئ عليه لما ذكرنا ان هذا اقرار له على المولى ألا يرى لو صدقه المولى وأقر أنه أعتقه وهو يعلم بالجناية فعلى المولى قيمته والله سبحانه وتعالى أعلم وأما حكم هذه الجناية فوجوب دفع العبد إلى ولى الجناية الا أن يختار المولى الفداء عندنا وقال الشافعي رحمه الله حكمها تعلق الأرض برقبة العبد يباع فيه ويستوفى الأرش من ثمنه فان فضل منه شئ فالفضل للمولى وان لم يف ثمنه بالأرش يتبع بما بقي بعد العتاق وللمولى أن يستخلصه ويؤدى الأرش من مال آخر (وجه) قوله أن الأصل في ضمان الجناية أنه يجب على الجاني والواجب على الانسان اما أن يكون في ماله أو تتحمل العاقلة عنه والعبد لا مال له ولا عاقلة فتعذر الايجاب عليه فتجب في رقبته يباع فيه كدين الاستهلاك في الأموال (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن سيدنا على وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مثل مذهبنا بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل الانكار عليهما من أحد منهم فيكون اجماعا منهم القياس يترك بمعارضه الاجماع ودين الاستهلاك في باب الأموال يجب على العبد على ما عرف وأما صفة هذا الحكم فصيرورة العبد واجب الدفع على سبيل التعيين كثرت قيمة العبد أو قلت وعند اختيار المولى الفداء ينتقل الحق من الدفع إلى الفداء سواء كان المجني عليه واحدا أو أكثر غير أنه إن كان واحدا دفع إليه ويصير كله مملوكا له وإن كانوا جماعة يدفع إليهم وكان مقسوما بينهم على قدر اروش جنايتهم وسواء كان على العبد دين وقت الجناية أو لم يكن وبيان هذه الجملة في مسائل إذا مات العبد الجاني قبل اختيار الفداء بطل حق المجني عليه أصلا لان الواجب دفع العبد على طريق التعيين وذلك لا يتصور بعد هلاك العبد فيسقط الحق أصلا ورأسا وهذا يدل على أن قول من يقول حكم هذه الجناية تخير المولى بين الدفع والفداء ليس بسديد لأنه لو كان كذلك لتعين الفداء عند هلاك العبد ولم يبطل حق المجني عليه أصلا على ما هو الأصل في المخير بين شيئين إذا هلك أحدهما أنه يتعين عليه الآخر ولو مات بعد اختيار الفداء لا يبرأ بموت العبد لأنه لما اختار الفداء فقد انتقل الحق من رقبته إلى ذمة المولى فلا تحتمل السقوط بهلاك العبد بعد ذلك ولو كانت قيمة العبد أقل من الدية فليس على المولى الا الدفع لان وجوب الدفع حكمه لهذه الجناية ثبت باجماع الصحابة رضي الله عنهم ولم يفصلوا بين قليل القيمة وكثيرها فلو جنى العبد على جماعة فان شاء المولى دفعه إليهم لان تعلق حق المجني عليه للأول لا يمنع حق الثاني والثالث لان ملك المولى لما لم يمنع التعلق فالحق أولى لأنه دونه وإذا دفعه إليهم كان مقسوما بينهم بالحصص قدر أروش جنايتهن فان حصة كل واحد منهم من العبد عوض عن الفائت فيتقدر بقدر الفائت وان شاء أمسك العبد وغرم الجنايات بكمال أروشها ولو أراد المولى أن يدفع من العبد إلى بعضهم مقدار ما يتعلق به حقه ويفدى بعض الجنايات له ذلك بخلاف ما إذا كان القتيل واحدا وله وليان فأراد المولى دفع العبد إلى أحدهما والفداء إلى الآخر أنه ليس له ذلك لان الجناية هناك واحدة ولها حكم واحد وهو وجوب الدفع على التعيين وعند اختيار الفداء وجوب الفداء على التعيين ولا يجوز أن يجمع في جناية واحدة بين حكمين مختلفين بخلاف ما إذا جنى على جماعة لان الجناية هناك متعددة وله خيار الدفع والفداء في كل واحد منهما والدفع في البعض والفداء في البعض لا يكون جمعا بين حكمين مختلفين في جناية واحدة فهو الفرق ولو قتل انسانا وفقأ عين آخر فان اختار الدفع دفعه إليهما أثلاثا لتعلق حقهما بالعبد أثلاثا وان اختار الفداء فدى عن كل جناية بأرشها وكذلك إذا شج انسانا شجاجا مختلفة انه ان دفع العبد إليهم كان مقسوما بينهم على قدر جناياتهم وان اختار الفداء فدى عن الكل
(٢٥٩)