بمحضر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولأبي حنيفة رضى الله تعالى عنه قوله عليه الصلاة والسلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل جعل عليه الصلاة والسلام الواجب من الإبل على الإشارة إليها فظاهره يقتضى الوجوب منها على التعيين الا ان الواجب من الصنفين الأخيرين ثبت بدليل آخر فمن ادعى الوجوب من الأصناف الأخر فعليه الدليل وأما قضية سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فقد قيل إنه إنما قضى بذلك حين كانت الديات على العواقل فلما نقلها إلى الديوان قضى بها من الأجناس الثلاثة وذكر في كتاب المعاقل ما يدل على أنه لا خلاف بينهم فإنه قال لو صالح الولي على أكثر من مائتي بقرة أو مائتي حلة لم يجز بالاجماع ولو لم يكن ذلك من جنس الدية لجاز والله أعلم بالصواب وأما بيان مقدار الواجب من كل جنس وبيان صفته فقدر الواجب من كل جنس يختلف بذكورة المقتول وأنوثته فإن كان ذكرا فلا خلاف في أن الواجب بقتله من الإبل مائة لقوله عليه الصلاة والسلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل ولا خلاف أيضا في أن الواجب من الذهب ألف دينار لما روى أنه عليه الصلاة والسلام جعل دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار والتقدير في حق الذمي يكون تقديرا في حق المسلم من طريق الأولى وأما الواجب من الفضة فقد اختلف فيه قال أصحابنا رحمهم الله تعالى عشرة آلاف درهم وزنا وزن سبعة وقال مالك والشافعي رحمهما الله اثنا عشر ألفا والصحيح قولنا لما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال الدية عشرة آلاف درهم بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل انه أنكر عليه أحد فيكون اجماعا مع ما ان المقادير لا تعرف الا سماعا فالظاهر أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدر الواجب من البقر عندهما مائتا بقرة ومن الحلل مائتا حلة ومن الغنم ألفا شاة ثم دية الخطا من الإبل أخماس بلا خلاف عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وهذا قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال دية الخطا أخماس عشرون بناته مخاض وعشرون بنو مخاض وعشرون بنو لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وعندهما قدر كل بقرة خمسون درهما وقدر كل حلة خمسون درهما والحلة اسم لثوبين ازار ورداء وقيمة كل شاة خمسة دراهم ودية شبه العمد أرباع عندهما خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعند محمد ثلاث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كله خلفة وهو مذهب سيدنا عمر وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهما وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال في شبه العمد أثلاث ثلاثة وثلاثون حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة والصحابة رضي الله عنهم متى اختلفت في مسألة على قولين أو ثلاثة يجب ترجيح قول البعض على البعض والترجيح ههنا لقول ابن مسعود رضي الله عنه لوجهين أحدهما انه موافق للحديث المشهور الذي تلقنه العلماء رضي الله عنهم بالقبول وهو قوله عليه الصلاة والسلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل وفى ايجاب الحوامل ايجاب الزيادة على المائة لان الحمل أصل من وجه والثاني ان ما قاله أقرب إلى القياس لان الحمل معنى موهوم لا يوقف عليه حقيقة فان انتفاخ البطن قد يكون للحمل وقد يكون للداء ونحو ذلك وإن كان أنثى فدية المرأة على النصف من دية الرجل لاجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وابن مسعود وزيد بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم انهم قالوا في دية المرأة انها على النصف من دية الرجل ولم ينقل انه أنكر عليهم أحد فيكون اجماعا ولأن المرأة في ميراثها وشهادتها على النصف من الرجل فكذلك في ديتها وهل يختلف قدر الدية بالاسلام والكفر قال أصحابنا رحمهم الله لا يختلف ودية الذمي والحربي والمستأمن كدية المسلم وهو قول إبراهيم النخعي والشعبي رحمهما الله والزهري رحمه الله وقال الشافعي رحمه الله تختلف دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة واحتج بحديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه جعل دية هؤلاء على هذه المراتب ولان الأنوثة لما أثرت في نقصان البدل فالكفر أولى لان نقيصة الكفر فوق كل نقيصة (ولنا) قوله تبارك وتعالى وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله أطلق سبحانه وتعالى
(٢٥٤)