قدره والثالث في بيان صفاته (أما) الأول فقد اختلف فيه قال عامة العلماء أنه شرط فلا قطع فيما دون النصاب وحكى عن الحسن البصري رحمه الله أنه ليس بشرط ويقطع في القليل والكثير وهو قول الخوارج واحتجوا بظاهر قوله سبحانه وتعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما من غير شرط النصاب وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده ومعلوم أن من الحبال ما لا يساوى دانقا والبيضة لا تساوى حبة (ولنا) دلالة النص والاجماع من الصحابة اما دلالة النص فلان الله سبحانه وتعالى أوجب القطع على السارق والسارقة والسارق اسم مشتق من معنى وهو السرقة والسرقة اسم للاخذ على سبيل الاستخفاء ومسارقة الأعين وإنما تقع الحاجة في الاستخفاء فيما له خطر والحبة لا خطر لها فلم يكن أخذها سرقة فكان ايجاب القطع على السارق اشتراطا للنصاب دلالة (وأما) الاجماع فان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على اعتبار النصاب وإنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير واختلافهم في التقدير اجماع منهم على أن النصاب شرط وبه تبين أن ما رووا من الحديث غير ثابت أو منسوخ أو يحمل المذكور على حبل له خطر كحبل السفينة وبيضة خطيرة كبيضة الحديد توفيقا بين الدلائل والله تعالى أعلم (وأما) الكلام في قدر النصاب فقد اختلف فيه أيضا قال أصحابنا رضي الله عنهم انه مقدر بعشرة دراهم فلا قطع في أقل من عشرة دراهم وقال مالك رحمه الله وابن أبي ليلى بخمسة وذكر القدوري رحمه الله عند مالك رحمه الله بثلاثين وقال الشافعي بربع دينار حتى لو سرق ربع دينار الا حبة وهو مع نقصانه يساوى عشرة لا يقطع عنده وعندنا يقطع ولو سرق ربع دينار لا يساوى عشرة لم يقطع عندنا وعنده يقطع وقيمة الدينار عندنا عشرة وعنده اثنا عشر على ما تبين في كتاب الديات احتج من اعتبر الخمسة بما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا تقطع الخمسة الا بخمسة واحتج الشافعي رحمه الله بما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وهي قيمة ربع دينار عنده لان الدينار على أصله مقوم باثني عشر درهما (ولنا) ما روى محمد في الكتاب باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يقطع الا في ثمن مجن وهو يومئذ يساوى عشرة دراهم وفى رواية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قطع فيما دون عشرة دراهم وعن ابن مسعود رضي الله عنه النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تقطع اليد الا في دينار أو في عشرة دراهم وعن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال لا يقطع السارق الا في ثمن المجن وكان يقوم يومئذ بعشرة دراهم وعن ابن أم أيمن أنه قال ما قطعت يد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا في ثمن المجن وكان يساوى يومئذ عشرة دراهم وذكر محمد في الأصل أن سيدنا عمر رضي الله عنه أمر بقطع يد سارق ثوب بلغت قيمته عشرة دراهم فمر به سيدنا عثمان رضي الله عنه فقال إن هذا لا يساوى الا ثمانية فدرأ سيدنا عمر القطع عنه وعن سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على ابن مسعود رضي الله عنهم مثل مذهبنا والأصل أن الاجماع انعقد على وجوب القطع في العشرة وفيما دون العشرة اختلف العلماء لاختلاف الأحاديث فوقع الاحتمال في وجوب القطع فلا يجب مع الاحتمال وإذا عرف أن النصاب شرط وجوب القطع بالسرقة فان وجد ذلك القدر في أخذ سرقة واحدة قطع لوجود الشرط وهو كمال النصاب وان اختلفت السرقة لم يقطع لفقد الشرط وعلى هذا مسائل إذا دخل رجل دار رجل فسرق من بيت فيها درهما فأخرجه إلى صحنها ثم عاد فاخذ درهما من البيت فأخرجه ثم عاد فأخذ درهما من البيت فأخرجه فلم يزل يفعل ذلك حتى أخذ عشرة دراهم ثم أخرج العشرة من الدار قطع لأن هذه سرقة واحدة لان الدار مع صحنها وبيوتها حرز واحد فما دام في الدار لم يوجد الاخراج من الحرز فإذا أخرج من الدار جملة فقد وجد اخراج النصاب من الحرز فيجب القطع ولو كان خرج في كل مرة من الدار ثم عاد حتى فعل ذلك عشر مرات لم يقطع لأن هذه سرقات إذ كل فعل منه اخراج من الحرز فكان
(٧٧)