ويرد عليه المسروق إن كان قائما وعليه ضمانه في الهلاك لان المانع من الضمان هو القطع وقد سقط ولو وجب عليه قطع اليد اليمين في السرقة فلم تقطع حتى قطع قاطع يمينه فهذا على وجهين اما أن يكون قبل الخصومة واما أن يكون بعدها فإن كان قبل الخصومة فعلى قاطعه القصاص إن كان عمدا والأرش إن كان خطأ وتقطع رجله اليسرى في السرقة كأنه سرق ولا يمين له وإن كان بعد الخصومة فإن كان قبل القضاء فكذلك الجواب الا أنا ههنا لا نقطع رجله اليسرى لأنه لما خوصم كان الواجب في اليمين وقد فاتت فسقط الواجب كما لو ذهب بآفة سماوية وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع لأنه احتسب لإقامة حد لله سبحانه وتعالى فكان قطعه عن السرقة حتى لا يجب الضمان على السارق فيما هلك من مال السرقة في يده أو استهلك وأما الموضع الذي يقطع من اليد اليمنى فهو مفصل الزند عند عامة العلماء رضي الله عنهم وقال بعضهم تقطع الأصابع وقال الخوارج تقطع من المنكب لظاهر قوله سبحانه وتعالى فاقطعوا أيديهما واليد اسم لهذه الجملة والصحيح قولنا لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قطع يد السارق من مفصل الزند فكان فعله بيانا للمراد من الآية الشريفة كأنه نص سبحانه وتعالى فقال فاقطعوا أيديهما من مفصل الزند وعليه عمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما بيان من يقيم هذا الحكم فالذي يقيمه الامام أو من ولاه لان هذا حد والمتولي لإقامة الحدود الأئمة أو من ولوهم من القضاة والحكام وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله المولى يملك إقامة الحد على مملوكه والكلام في هذا الفصل استوفيناه في كتاب الحدود واما بيان ما يسقط الحد بعد وجوبه فنقول ما يسقطه بعد وجوبه أنواع منها تكذيب المسروق منه السارق في اقراره بالسرقة بأن يقول له لم تسرق منى ومنها تكذيبه البينة بأن يقول شهد شهودي بزور لأنه إذا كذب فقد بطل الاقرار والشهادة فسقط القطع ومنها رجوع السارق عن الاقرار بالسرقة فلا يقطع ويضمن المال لان الرجوع يقبل في الحدود ولا يقبل في المال لأنه يورث شبهة في الاقرار والحد يسقط بالشبهة ولا يسقط المال رجلان أقرا بسرقة ثوب يساوى مائة درهم ثم قال أحدهما الثوب ثوبنا لم نسرقه أو قال هذا إلى درئ القطع عنهما لأنهما لما اقرا بالسرقة فقد ثبتت الشركة بينهما في السرقة ثم لما أنكر أحدهما فقد رجع عن اقراره فبطل الحد عنه برجوعه فيورث شبهة في حق الشريك لاتحاد السرقة ولو قال أحدهما سرقنا هذا الثوب من فلان فكذبه الآخر وقال كذبت لم نسرقه قطع المقر وحده في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا يقطع واحد منهما (وجه) قول أبى يوسف أنه أقر بسرقة واحدة بينهما على الشركة فإذا لم تثبت في حق شريكه بانكاره يؤثر ذلك في حق صاحبه ضرورة اتحاد السرقة وهذا بخلاف ما إذا أقر بالزنا بامرأة فأنكرت أنه يحد الرجل على أصله لان انكار المرأة لا يؤثر في اقرار الرجل إذ ليس من ضرورة عدم الزنا من جانبها عدمه من جانبه كما لو زنا بصبية أو مجنونة بخلاف الاقرار بالسرقة لان ذلك وجد من أحدهما على وجه الشركة فعدم السرقة من أحدهما يؤثر في حق الآخر (وجه) قول أبي حنيفة أن اقراره بالشركة في السرفة اقرار بوجود السرقة من كل واحد منهما الا أنه لما أنكر صاحبه السرقة لم يثبت منه فعل السرقة وعدم الفعل منه لا يؤثر في وجود الفعل من صاحبه فبقي اقرار صاحبه على نفسه بالسرقة فيؤخذ به بخلاف اقرار الرجل على نفسه بالزنا بامرأة وهي تجحد أنه لا يجب الحد على الرجل على أصله لان الزنا لا يقوم الا بالرجل والمرأة فإذا أنكرت لم يثبت منها فلا يتصور الوجود من الرجل بخلاف الاقرار بالسرقة على ما بينا والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) رد السارق المسروق إلى المالك قبل المرافعة عندهما واحدى الروايتين عن أبي يوسف وروى عنه أنه لا يسقط ولا خلاف في أن الرد بعد المرافعة لا يسقط الحد (وجه) رواية أبى يوسف أن السرقة حين وجودها انعقدت موجبة للقطع فرد المسروق بعد ذلك لا يخل بالسرقة الموجودة فلا يسقط القطع الواجب كما لو رده بعد المرافعة ولهما أن الخصومة شرط لظهور السرقة الموجبة للقطع لما بينا فيما تقدم ولما رد المسروق على المالك فقد بطلت الخصومة بخلاف ما بعد المرافعة لان الشرط وجود الخصومة لابقاؤها وقد وجدت (ومنها) ملك السارق المسروق قبل القضاء نحو ما إذا وهب المسروق منه
(٨٨)