بعض المأخوذ حقه على الشيوع ولا قطع فيه فكذا في الباقي كما إذا سرق مالا مشتركا وإن كان دينه مؤجلا فالقياس أن يقطع وفى الاستحسان لا يقطع (وجه) القياس ان الدين إذا كان مؤجلا فليس له حق الاخذ قبل حلول الأجل ألا ترى ان للغريم ان يسترده منه فصار كما لو سرقه أجنبي (وجه) الاستحسان ان حق الاخذ ان لم يثبت قبل حل الأجل فسبب ثبوت حق الاخذ قائم وهو الدين لان تأثير التأجيل في تأخير المطالبة لا في سقوط الدين فقيام سبب ثبوته يورث الشبهة وان سرق خلاف جنس حقه بأن كان عليه دراهم فسرق منه دنانيرا وعروضا قطع هكذا أطلق الكرخي رحمه الله وذكر في كتاب السرقة انه إذا سرق العروض ثم قال أخذت لأجل حقي لا يقطع فيحمل مطلق قول الكرخي على المطلق وهو ما إذا سرق ولم يقل أخذت لأجل حقي لأنه إذا لم يقل فقد أخذ مالا ليس له حق أخذه ألا ترى أنه لا يصير قصاصا الا بالاستبدال والتراضي ولم يتأول الاخذ أيضا فكان أخذه بغير حق ولا شبهة حق وهذا يدل على أن ه لا يعيد بخلاف قول من يقول من الفقهاء ان لصاحب الحق إذا ظفر بخلاف جنس حقه أن يأخذه لأنه قول لم يقل به أحد من السلف فلا يعتبر مؤذنا للشبهة وإذا قال أخذت لأجل حقي فقد أخذه متأولا لأنه اعتبر المعنى وهي المالية لا الصورة والأموال كلها في معنى المالية متجانسة فكان أخذا عن تأويل فلا يقطع ولو أخذ صنفا من الدراهم أجود من حقه أو أردأ لم يقطع لان المأخوذ من جنس حقه من حيث الأصل وإنما خالفه من حيث الوصف ألا يرى أنه لو رضى به يصير مستوفيا حقه ولا يكون مستبدلا حتى يجوز في الصرف والسلم مع أن الاستبدال ببدل الصرف والسلم لا يجوز وإذا كان المأخوذ من جنس حقه من حيث الأصل تثبت شبهة حق الاخذ فيلحق بالحقيقة في باب الحد كما في الدين المؤجل ولو سرق حليا من فضة وعليه دراهم أو حليا من ذهب وعليه دنانير يقطع لان هذا لا يصير قصاصا من حقه الا بالمراضاة ويكون ذلك بيعا واستبدالا فأشبه العروض وإن كان السارق قد استهلك العروض أو الحلى ووجبت عليه قيمته وهو مثل الذي عليه من العين فان هذا يقطع أيضا لان المقاصد إنما تقع بعد الاستهلاك فلا يوجب سوى القطع ولو سرق مكاتب أو عبد من غريم مولاه يقطع لأنه ليس له حق قبض دين المولى من غير أمره فصار كالأجنبي حتى لو كان المولى وكله بقبض الدين لا يقطع لثبوت حق القبض له بالوكالة فصار كصاحب الدين ولو سرق من غريم مكاتبه أو من غريم عبده المأذون فإن لم يكن على العبد دين لم يقطع لان ذلك ملك مولاه فكان له حق أخذه وإن كان عليه دين قطع لأنه ليس له حق القبض فصار كالأجنبي ولو سرق من غريم أبيه أو ولده يقطع لأنه لا حق له فيه ولا في قبضه الا إذا كان غريم ولده الصغير فلا يقطع لان حق القبض له كما في دين نفسه والله تعالى أعلم وعلى هذا أيضا يخرج سرقة المصحف على أصل أبي حنيفة انه لا قطع فيه لان له تأويل الاخذ إذ الناس لا يضنون ببذل المصاحب الشريفة لقراءة القرآن العظيم عادة فاخذه الا آخذ متأولا ولا وكذلك سرقة البربط والطبل والمزمار وجميع آلات الملاهي لان آخذها يتأول انه يأخذها منع المالك عن المعصية ونهيه عن المنكر وذلك مأمور به شرعا وكذلك سرقة شطرنج ذهب أو فضة لما قلنا وكذلك سرقة صليب أو صنم من فضة من حرز لأنه يتأول انه أخذه للكسر (وأما) الدراهم التي عليها التماثيل فيقطع فيها لأنها لا تعبد عادة فلا تأويل له في الاخذ للمنع من العبادة فيقطع وعلى هذا يخرج ما إذا قطع سارق في مال ثم سرقه منه سارق آخر انه لا يقطع لان المسروق ليس بمعصوم في حق المسروق منه ولا متقوم في حقه لسقوط عصمته وتقومه في حقه بالقطع ولان كون يد المسروق منه يدا صحيحة شرط وجوب القطع ويد السارق ليست يدا صحيحة لما نذكره إن شاء الله تعالى ولو سرق مالا فقطع فيه فرده إلى المالك ثم عاد فسرقه منه ثانيا فجملة الكلام فيه ان المردود لا يخلوا اما إن كان على حالة لم يتغيروا ما ان أحدث المالك فيه ما يوجب تغيره فإن كان على حاله لم يقطع استحسانا والقياس ان يقطع وهو رواية الحسن عن أبي يوسف وبه أخذ الشافعي رحمهم الله (أما) الكلام مع الشافعي رحمه الله فمبنى على أن العصمة الثابتة للمسروق حقا للعبد قد سقطت عند السرقة الأولى لضرورة وجوب القطع على أصلنا وعلى أصله لم تسقط بل بقيت على ما كانت وسنذكر
(٧٢)