تقرير هذا الأصل في موضعه إن شاء الله تعالى (وأما) الكلام مع أبي يوسف (وجه) مأوى أن المحل وان سقطت قيمته الثابتة حقا للمالكية في السرقة الأولى فقد عادت بالرد إلى المالك ألا ترى انها عادت في حق الضمان حتى لو أتلفه السارق يضمن فكذا في حق القطع (ولنا) أن العصمة وان عادت بالرد لكن مع شبهة العدم لان السقوط لضرورة وجوب القطع وأثر القطع قائم بعد الرد فيورث شبهة في العصمة ولأنه سقط تقوم المسروق في حق السارق بالقطع في السرقة الأولى ألا ترى أنه لو أتلفه لا يضمن وأثر القطع بعد الرد قائم فيورث شبهة عدم التقوم في حقه فيمنع وجوب القطع ولا يمنع وجوب الضمان لأن الضمان لا يسقط بالشبهة لما بينا هذا إذا كان المردود على حاله لم يتغير (فاما) إذا حدث المالك فيه حدثا يوجب تغيره عن حاله ثم سرقه السارق الأول فالأصل فيه أنه لو فعل فيه ما لو فعله الغاصب في المغصوب لا وجب انقطاع حق المالك يقطع والا فلا لأنه إذا فعل ذلك فقد تبدلت العين وتصير في حكم عين أخرى وإذا لم يفعل لم تتبدل وعلى هذا يخرج ما إذا سرق غزلا فقطع فيه ورد إلى المالك فنسجه ثوبا فعاد فسرقه أنه يقطع لان المسروق قد تبدل ألا ترى أنه لو كان مغصوبا لا يقطع حق المالك ولو سرق ثوب خز فقطع فيه ورد إلى المالك فنقضه فسرق النقض لم يقطع لأن العين لم تتبدل ألا ترى أنه لو فعله الغاصب لا ينقطع حق المالك ولو نقضه المالك ثم غزله غزلا ثم سرقه السارق لم يقطع لان هذا لو وجد من الغاصب لا ينقطع حق المغصوب منه فيدل على تبدل العين ولو سرق بقرة فقطع فيها وردها على المالك فولدت ولدا ثم سرق الولد يقطع لان الولد عين أخرى لم يقطع فيها فيقطع بسرقتها وعلى هذا يخرج جنس هذه المسائل والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن يكون محرزا مطلقا خاليا عن شبهة العدم مقصود بالحرز والأصل في اعتبار شرط الحرز ما روى في الموطأ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن ورى عن عليه الصلاة والسلام أنه قال لا قطع في ثمر ولا كثر حتى يؤيه الجرين فإذا أواه الجرين ففيه القطع علق عليه الصلاة والسلام القطع بايواء المراح والمراح حرز الإبل والبقر والغنم والجرين حرز الثمر فدل أن الحرز شرط ولا ركن السرقة هو الاخذ على سبيل الاستخفاء والاخذ من غير حرز لا يحتاج إلى الاستخفاء فلا يتحقق ركن السرقة لان القطع وجب لصيانة الأموال على أربابها قطعا لأطماع السراق عن أموال الناس والأطماع إنما تميل إلى ماله خطر في القلوب وغير المحرز لا خطر له في القلوب عادة فلا تميل الأطماع إليه فلا حاجة إلى الصيانة بالقطع وبهذا لم يقطع فيما دون النصاب وما ليس بمال متقوم محتمل الادخار ثم الحرز نوعان حرز بنفسه وحرز بغيره (أما) الحرز بنفسه فهو كل بقعة معدة للأحرار ممنوعة الدخول فيها الا بالاذن كالدور والحوانيت والخيم والفساطيط والخزائن والصناديق (وأما) الحرز بغيره فكل مكان غير معد للاحراز يدخل إليه بلا اذن ولا يمنع منه كالمساجد والطرق وحكمه حكم الصحراء ان لم يكن هناك حافظ وإن كان هناك حافظ فهو حرز لهذا سمى حرزا بغيره حيث وقف صيرورته حرزا على وجود غيره وهو الحافظ وما كان حرزا بنفسه لا يشترط فيه وجود الحافظ لصيرورته حرزا ولو وجد فلا عبرة بوجوده بل وجوده والعدم سواء وكل واحد من الحرزين معتبر بنفسه على حياله بدون صاحبه لأنه عليه الصلاة والسلام علق القطع بايواء المراح والجرين من غير شرط وجود الحافظ وروى أن صفوان رضي الله عنه كان نائما في المسجد متوسدا بردائه فسرقه سارق من تحت رأسه فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتبر الحرز بنفسه فدل ان كل واحد من نوعي الحرز معتبر بنفسه فإذا سرق من النوع الأول يقطع سواء كان ثمة حافظ أولى لوجود الاخذ من الحرز وسواء كان مغلق الباب أو لا باب له بعد أن كان محجوزا بالبناء لان البناء يقصد به الاحراز كيف ما كان وإذا سرق من النوع الثاني يقطع إذا كان الحافظ قريبا منه في مكان يمكنه حفظه ويحفظ في مثله المسروق عادة وسواء كان الحافظ مستيقظا في ذلك المكان أو نائما لان الانسان يقصد الحفظ في الحالين جميعا ولا يمكن الاخذ الا بفعله ألا ترى انه عليه الصلاة والسلام قطع سارق صفوان وصفوان كان نائما ولو أذن لانسان بالدخول في داره فسرق المأذون له بالدخول شيئا منها لم يقطع
(٧٣)