رجع أبو حنيفة في حاجب العبد وفى أذنيه وقال فيه حكومة العدل وكذا قال محمد استقبح أبو حنيفة رحمه الله أن يضمن في أذن العبد نصف القيمة وهذا دليل الرجوع أيضا والحاصل أن الواجب فيما يقصد به المنفعة هو القيمة رواية واحدة عنه وفيما يقصد به الزينة والجمال عنه روايتان وقال محمد الواجب في ذلك كله النقصان يقوم العبد مجنيا عليه ويقوم وليس به الجناية فيغرم الجاني ما بين القيمتين وهو قول أبى يوسف الآخر وقوله الأول مع أبي حنيفة (وجه) قول محمد ان ما دون النفس من العبد له حكم المال لأنه خلق لمصلحة النفس كالمال وبدليل انه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فكان ضمانه ضمان الأموال وضمان الأموال غير مقدر بل يجب بقدر نقصان المال كما في سائر الأموال (وجه) رواية الجمع لأبي حنيفة رضي الله عنه أن القيمة في العبد كالدية في الحر فلما جاز تقدير ضمان جناية الحر بديته جاز تقدير ضمان جناية العبد بقيمته ولان التقدير قد دخل على الجناية عليه في النفس حتى لا يبلغ الدية إذا كان كثير القيمة فجاز ان يدخل في ضمان الجناية فيما دون النفس كالحر (ووجه) رواية الفرق له أن الجمال ليس بمقصود في العبيد بل المقصود منهم الخدمة فاما المنفعة فمقصودة من الأحرار والعبيد جميعا ولان ما دون النفس من العبيد له شبه النفس وشبه المال أما شبه النفس فظاهر لأنه من أجزاء النفس حقيقة (وأما) شبه المال فإنه لا يجب فيه القصاص ولا تتحمله العاقلة فيجب العمل بالشبهين فيعمل بشبه النفس فيما يقصد به المنفعة بتقدير ضمانه بالقيمة كما لو جنى على النفس ويعمل بشبه المال فيما يقصد به الجمال فلم يقدر ضمانه بالقيمة كما إذا أتلف المال عملا بالشبهين بقدر الامكان وقد خرج الجواب عما ذكر محمد من عدم وجوب القصاص وتحمل العاقلة لان ذلك عمل بشبه المال وانه لا ينفى العمل بشبه النفس فيجب العمل بهما جميعا وذلك فيما قلنا ثم الحر إذا فقأ عيني عبد انسان أو قطع يديه أو رجليه حتى وجب عليه كمال القيمة فمولاه بالخيار ان شاء سلمه إلى الفاقئ وأخذ قيمته وان شاء أمسكه ولا شئ له وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يمسكه ويأخذ ما نقصه وقال الشافعي رحمه الله له ان يمسكه ويأخذ جميع القيمة (وجه) قوله أن الواجب فيه وهو القيمة ضمان العضوين الفائتين لا غير فيبقى الباقي على ملكه كما لو فقأ احدى عينيه أو قطع احدى يديه أنه يضمن نصف قيمته ويبقى الباقي على ملك مالكه كذا هذا (وجه) قولهما أن الضمان بمقابلة العينين كما قال الشافعي عليه الرحمة لكن الرقبة هلكت من وجه لفوات منفعة الجنس فيخير المولى ان شاء مال إلى جهة الهلاك وضمنه القيمة وسلم العبد إلى الفاقئ لوصول عوض الرقبة إليه وان شاء مال إلى جهة القيام وأمسكه وضمن النقصان وهو بدل العينين كما يخير صاحب المال عند النقصان الفاحش في المواضع كلها ولأبي حنيفة رضي الله عنه إنما لما وصل إلى المولى بدل النفس فلو بقي العبد على ملكه لاجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد فيما يصح تمليكه بعقود المعاوضات وهذا لا يجوز كما لا يجوز اجتماع المبيع والثمن في ملك رجل واحد ولا يلزم ما إذا غصب مدبرا فابق من يده أن المولى يضمنه قيمته والمدبر على ملكه لأنه لا يحتمل التمليك بعقد المعاوضة ولا تلزم الهبة بشرط العوض إذا سلم الهبة ولم يقبض العوض انه اجتمع على ملك الموهوب له العوض والمعوض لان العوض قبل القبض لا يكون عوضا فلم يجتمع العوض والمعوض ولا يلزم البيع الفاسد إذا قبض المشترى المبيع ولم يسلم الثمن لان الثمن ليس ببدل في البيع الفاسد إنما البدل القيمة وقد ملكها البائع حين ملك المشتري المبيع فلم يجتمع البدل والمبدل في ملكه ولا يلزم ما إذا اشترى عبدا بجارية على أنه الخيار فقبض العبد فأعتقهما جميعا أنه ينفذ اعتاقه فيهما جميعا وقد اجتمع والمعوض على ملكه لأنه لما عتقهما فسد البيع في الجارية وصار العوض عن العبد القيمة وملكها البائع في مقابلة ملك العبد فلم يجتمع العوض والمعوض ولا يلزم ما إذا استأخر شيئا وعجل الأجرة ان المؤاجر بملكها والمنافع على ملكه فقد اجتمع البدل والمبدل في ملك واحد لان المنافع لا تملك عندنا الا بعد وجودها وكلما وجد جزء منها حدث على ملك المستأجر فلم يجتمع العوض والمعوض على ملك المؤاجر ولا يلزم ما إذا غصب عبدا فجنى عنده جناية ثم رده على مولاه فجنى عنده
(٣١٣)