بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٣٠٨
الله فلعدم امكان استيفاء المثل وهما شجتان موضحتان تأكل بينهما (وأما) على أصلهما فلان ما تأكل بين الموضحتين تلف بسبب الجراحة والاتلاف تسبيبا لا يوجب القصاص والله سبحانه وتعالى الموفق ولا قصاص في العين إذا قورت أو فسخت لأنا إذا فعلنا ما فعل وهو التقوير والفسخ لا يمكن استيفاء المثل إذ ليس له حد معلوم وان أذهبنا ضوءه فلم نفعل مثل ما فعل فتعذر الاستيفاء بصفة المماثلة فامتنع الوجوب وصار كمن قطع يد انسان من الساعد أنه لا يجب القصاص لأنه لا سبيل إلى القطع من الساعد ولا من الزند لما قلنا فامتنع الوجوب كذا هذا وان ضرب عليها فذهب ضوءها مع بقاء الحدقة على حالها لم تنخسف ففيها القصاص لقوله تبارك وتعالى والعين بالعين ولان القصاص على سبيل المماثلة ممكن بان يجعل على وجهه القطن المبلول وتحمى المرآة وتقرب من عينه حتى يذهب ضوءها وقيل أول من اهتدى إلى ذلك سيدنا علي رضي الله عنه وأشار إلى ما ذكرنا فإنه روى أنه وقعت هذه الحادثة في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه فجمع الصاحبة الكرام رضى الله تعالى عنهم وشاورهم في ذلك فلم يكن عندهم حكما حتى جاء سيدنا علي رضي الله عنه وأشار إلى ما ذكرنا فلم ينكر عليه أحد فقضى به سيدنا عثمان بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم فيكون اجماعا وان انخسفت فلا قصاص لان الثاني قد لا يقع خاسفا بها فلا يكون مثل الأول وروى عن أبي يوسف أنه لا قصاص في عين الأحول لان الحول نقص في العين فيكون استيفاء الكامل بالناقص فلا تتحقق المماثلة ولهذا لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء كذا هذا ولا قصاص في الأشفار والأجفان لأنه لا يمكن استيفاء المثل فيها (وأما) الاذن فان استوعبها ففيها القصاص لقوله تبارك وتعالى والاذن بالاذن ولان استيفاء المثل فيها ممكن فان قطع بعضها فإن كان له حد يعرف ففيه القصاص والا فلا (وأما) الانف فان قطع المارن ففيه القصاص بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله لقوله سبحانه وتعالى والانف بالأنف ولان استيفاء المثل فيه ممكن لان له حدا معلوما وهو مالان منه فان قطع بعض المارن فلا قصاص فيه لتعذر استيفاء المثل وان قطع قصبة الانف فلا قصاص فيه لأنه عظم ولا قصاص في العظم ولا في السن لما نذكر إن شاء الله تعالى وقال أبو يوسف ان استوعب ففيه القصاص وقال محمد لا قصاص فيه وان استوعب ولا خلاف بينهما في الحقيقة لان أبا يوسف أراد استيعاب المارن وفيه القصاص بلا خلاف ومحمد رحمه الله أراد به استيعاب القصبة ولا قصاص فيها بلا خلاف (وأما) الشفة فقد روى عن أبي حنيفة أنه قال إذا قطع شفة الرجل السفلى أو العليا وكان يستطاع أن يقتص منه ففيه القصاص وذكر الكرخي رحمه الله انه ان استقصاها بالقطع ففيها القصاص لامكان استيفاء المثل عند الاستقصاء وان قطع بعضها فلا قصاص فيه لعدم الامكان ولا قصاص في عظم الا في السن لأنه لا يعلم موضعه ولا يؤمن فيه عن التعدي أيضا وقد روى عنه عليه الصلاة والسلام انه لا قصاص في عظم وفى السن القصاص سواء كسر أو قلع لقوله تبارك وتعالى والسن بالسن ولأنه يمكن استيفاء المثل فيه بان يؤخذ في الكسر من سن الكاسر مثل ما كسر بالمبرد وفى القلع يؤخذ سنه بالمبرد إلى أن ينتهى إلى اللحم ويسقط ما سوى ذلك وقيل في القلع انه يقلع سنه لان تحقق المماثلة فيه والأول استيفاء على وجه النقصان الا أن في القلع احتمال الزيادة لأنه لا يؤمن فيه ان يفعل المقلوع أكثر مما فعل القالع (وأما) اللسان فان قطع بعضه فلا قصاص فيه لعدم امكان استيفاء المثل وان استوعب فقد ذكر في الأصل أن اللسان لا يقتص فيه وقال أبو يوسف فيه القصاص وجه قوله أن القطع إذا كان مستوعبا أمكن استيفاء المثل فيه بالاستيعاب فيكون الجزاء مثل الجناية وجه ما ذكر في الأصل أن اللسان ينقبض وينسبط فلا يمكن استيفاء القصاص فيه بصفة المماثلة وان قطع الحشفة ففيها القصاص لامكان استيفاء المثل لان لها حدا معلوما وان قطع بعضها أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأنه لا حد لذلك فلا يمكن القطع بصفة المماثلة فصار كما لو قطع بعض اللسان ولو قطع الذكر من أصله ذكر في الأصل انه لا قصاص فيه وقال أبو يوسف فيه القصاص وجه قوله إن عند الاستيعاب أمكن الاستيفاء على وجه المماثلة فيجب القصاص وجه ما ذكر في الأصل أن الذكر ينقبض مرة وينبسط مرة أخرى فلا يمكن مراعاة
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»
الفهرست