والقول بلزوم حكومة الألم غير سديد لان مجرد الألم لا ضمان له في الشرع كمن ضرب رجلا ضربا وجيعا وكذا ايجاب أجرة الطبيب لان المنافع على أصل أصحابنا رضي الله عنهم لا تتقوم ما لا بالعقد أو شبهة العقد ولم يوجد في حق الجاني العقد ولا شبهته فلا يجب عليه أجرة الطبيب (وأما) حكمها بغيرها بان شج رأس انسان موضحة فسقط شعر رأسه أو ذهب عقله أو بصره أو سمعه أو كلامه أو شمه أو ذوقه أو جماعة أو ايلاده فلا شك في أنه يجب عليه أرش هذه الأشياء وهل يجب عليه أرش الموضحة أم يدخل في أرشها عندهما لا يدخل أرش الموضحة الا في الشعر والعقل ولا يدخل فيما وراء ذلك وقال أبو يوسف رحمه الله في الاملاء يدخل في الكل الا في البصر وقال الحسن بن زياد رحمه الله لا يدخل الا في الشعر فقط وقال زفر رحمه الله لا يدخل في شئ من ذلك أصلا (وجه) قوله أن الشجة واذهاب اشعر والعقل وغيرهما جنايتان مختلفان فلا يدخل إحداهما في الأخرى كسائر الجنايات من قطع اليدين والرجلين ونحو ذلك (وجه) قول الحسن رحمه الله انهما جنايتان اختلف محلهما والمقصود منهما فلا يدخل أرش إحداهما في الأخرى كأرش اليدين والرجلين ولأبي يوسف أن السمع والكلام والشم والذوق ونحوها من البواطن فيدخل فيها أرش الموضحة كالعقل (وأما) البصر فظاهر فلا يدخل فيه الموضحة كاليد والرجل وهذا الفرق يبطل بالشعر لأنه ظاهر ويدخل أرش الموضحة فيه ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى الفرق بين الشعر والعقل وبين غيرهما ووجهه أن في الشعر الجناية حلت في عضو واحد بفعل واحد بسبب واحد (وأما) اتحاد العضو فلا شك فيه لان كل ذلك حصل في الرأس (وأما) العقل فلانه لم يوجد منه الا الشجة (وأما) اتحاد السبب فلان دية الشعر تجب بفوات الشعر وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر فكان سبب وجوبها واحدا فيدخل الجزء في الكل كما إذا قطع رجل إصبع رجل فشلت اليد ان أرش الإصبع يدخل في دية اليد كذا هذا وفى العقل الواجب دية النفس من حيث المعنى لان جميع منافع النفس يتعلق به فكان تفويته تفويت النفس معنى فكان الواجب دية النفس فيدخل فيه أرش الموضحة كما إذا شج رأسه موضحة فسرى إلى النفس فمات والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) السمع والبصر والكلام ونحوها فقد اختلف السبب والمحل لان سبب الوجوب في كل واحد منهما تفويت المنفعة المقصودة منه فاختلف المحل والسبب والمقصود فامتنع التداخل وقد روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه قضى في شجة واحدة بأربع ديات فان اختلفا في ذهاب البصر والسمع والكلام والشم فطريق معرفتها اعتراف الجاني وتصديق المجني عليه أو نكوله عن اليمين وقد يعرف البصر بنظر الأطباء بان ينظر إليه طبيبان عدلان لأنه ظاهر تمكن معرفته وقد قيل يمتحن بالقاء حية بين يديه وفى السمع يستغفل المدعى كما روى عن إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنهم ان رجلا ضرب امرأة فادعت عنده ذهاب سمعها فتشاغل عنها بالنظر في القضاء ثم التفت إليها وقال يا هذه غطى عورتك فجمعت ذيلها فعلم أنها كاذبة في دعواها وفى الكلام يستغفل أيضا وفى الشم يختبر بالروائح الكريهة وسواء ذهب جميع هذه الأشياء بالشجة أو ذهب بعضها دون البعض الاجتماع والافتراق في هذا سواء لان التداخل فيما يجرى فيه التداخل ليس للكثرة بل لما ذكرنا من المعنى وانه لا يوجب الفصل بين الاجتماع والافتراق ولا تدخل ديات هذه الأشياء بعضها في بعض الا عند السراية انه يسقط ذلك كله وعليه دية النفس لا غير لما ذكرنا ان كل واحد من هذه الأشياء من السمع والبصر والكلام ونحوها أصل بنفسه لاختصاصه بمحل مخصوص ومنفعة مقصودة فلا يجعل تبعا لصاحبه في الأرش وإنما دخلت أروشها في دية النفس عند السراية لان الأعضاء كلها تابعة للنفس فتدخل أروشها في دية النفس ثم إن كان الأول خطأ تتحمل العاقلة وإن كان عمدا فدية النفس في ماله وكل ذلك في ثلاث سنين وسواء كانت الشجة موضحة أو هاشمة أو منقلة أو آمة فالشجاج كلها في التداخل سواء لان المعنى لا يوجب الفصل وسواء قلت الشجاج أو كثرت بعد أن لا يجاوز أرشها الدية حتى لو كانت آمتين أو ثلاث أو أم ذهب منها الشعر أو العقل يدخل أرشها في الشعر والعقل وإن كانت أربع أو أم
(٣١٧)