مساواة بينهما في الدين لكن القصاص محنة امتحنوا الخلق بذلك فكل من كان أقبل بحق الله تعالى واشكر لنعمه كان أولى بهذه المحنة لان العذر له في ارتكاب المحذور أقل وهو بالوفاء بعهد الله تعالى أولى ونعم الله تعالى في حقه أكمل فكانت جنايته أعظم واحتج في قتل الحر بالعبد بقول الله تبارك وتعالى الحر بالحر والعبد بالعبد وفسر القصاص المكتوب في صدر الآية بقتل الحر بالحر والعبد بالعبد فيجب أن لا يكون قتل الحر بالعبد قصاصا ولأنه لا مساواة بين النفسين في العصمة لوجهين أحدهما أن الحر آدمي من كل وجه والعبد آدمي من وجه مال من وجه وعصمة الحر تكون له وعصمة المال تكون للمالك والثاني أن في عصمة العبد شبهة العدم لان الرق أثر الكفر والكفر مبيح في الأصل فكان في عصمته شبهة العدم عصمة الحر تثبت مطلقة فانى يستويان في العصمة وكذا لا مساواة بينهما في الفضيلة والكمال لان الرق يشعر بالذل والنقصان والحرية ينبئ عن العزة والشرف (ولنا) عمومات القصاص من غير فصل بين الحر والعبد ولان ما شرع له القصاص وهو الحياة لا يحصل الا بايجاب القصاص على الحر بقتل العبد لان حصوله يقف على حصول الامتناع عن القتل خوفا على نفسه فلو لم يجب القصاص بين الحر والعبد لا يخشى الحر تلف نفسه بقتل العبد فلا يمتنع عن قتله بل يقدمه عليه عند أسباب حاملة على القتل من الغيظ المفرط ونحو ذلك فلا يحصل معنى الحياة ولا حجة له في الآية لان فيها أن قتل الحر بالحر والعبد بالعبد قصاص وهذا لا ينفى أن يكون قتل الحر بالعبد قصاصا لان التنصيص لا يدل على التخصيص ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ثم البكر إذا زنى بالثيب وجب الحكم الثابت بالحديث فدل أنه ليس في ذكر شكل بشكل تخصيص الحكم به يدل عليه أن العبد يقتل بالحر والأنثى بالذكر ولو كان التنصيص على الحكم في نوع موجبا تخصيص الحكم به لما قتل ثم قوله تعالى والأنثى بالأنثى حجة عليكم لأنه قاتل الأنثى بالأنثى مطلقا فيقتضى أن تقتل الحرة بالأمة وعندكم لا تقتل فكان حجة عليكم وقوله العبد آدمي من وجه مال من وجه قلنا لا بل آدمي من كل وجه لان الآدمي اسم لشخص على هيئة مخصوصة منسوب إلى سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام والبعد بهذه الصفة فكانت عصمته مثل عصمة الحر بل فوقها على أن نفس العبد في الجناية له لا لمولاه بدليل أن العبد لو أقر على نفسه بالقصاص والحد يؤخذ به ولو أقر عليه مولاه بذلك لا يؤخذ به فكان نفس العبد في الجناية له لا للمولى كنفس الحر للحر وأما قوله الحر أفضل من العبد فنعم لكن التفاوت في الشرف والفضيلة لا يمنع وجوب القصاص ألا ترى أن العبد لو قتل عبدا ثم أعتق القاتل يقتل به قصاصا وان استفاد فضل الحرية وكذا الذكر يقتل بالأنثى وإن كان الذكر أفضل من الأنثى وكذا لا تشترط المماثلة في العدد في القصاص في النفس وإنما تشترط في الفعل بمقابلة الفعل زجرا وفى الفائت بالفعل جبرا حتى لو قتل جماعة واحدا يقتلون به قصاصا وان لم يكن بين الواحد والعشرة مماثلة لوجود المماثلة في الفعل والفائت به زجرا وجبرا على ما نذكره إن شاء الله تعالى وأحق ما يجعل فيه القصاص إذا قتل الجماعة الواحد لان القتل لا يوجد عادة الا على سبيل التعاون والاجتماع فلو لم يجعل فيه القصاص لا نسد باب القصاص إذ كل من رام قتل غيره استعان بغير يضمه إلى نفسه ليبطل القصاص عن نفسه وفيه تفويت ما شرع له القصاص وهو الحياة هذا إذا كان القتل على الاجتماع فأما إذا كان على التعاقب بأن شق رجل بطنه ثم حز آخر رقبته فالقصاص على الحاز إن كان عمدا وإن كان خطأ فالدية على عاقلته لأنه هو القاتل لا الشاق ألا ترى أنه قد يعيش بعد شق البطن بأن يخاط بطنه ولا يحتمل أن يعيش بعد حزم رقبته عادة وعلى الشاق أرش الشق وهو ثلث الدية لأنه جائفة وإن كان الشق نفذ من الجانب الآخر فعليه ثلثا الدية في سنتين في كل سنة ثلث الدية لأنهما جائفتان هذا إذا كان الشق مما يحتمل أن يعيش بعده يوما أو بعض يوم فأما إذا كان لا يتوهم ذلك ولم يبق معه الا غمرات الموت والاضطراب فالقصاص على الشاق لأنه القاتل ولا ضمان على الحاز لأنه قتل المقتول من حيث المعنى لكنه يعزر لارتكابه جناية ليس لها حد مقدر وكذلك لو جرحه رجل جراحة مثخنة لا يعيش
(٢٣٨)