ملكه عليه من غير ضمان فكان الاخذ بضمان رعاية للجانبين وان شاء ترك الثوب على الغاصب وضمنه قيمة ثوبه ابيض يوم الغصب لأنه لا سبيل إلى جبره على اخذ الثوب إذ لا يمكنه اخذه الا بضمان وهو قيمة ما زاد الصبغ فيه ولا سبيل إلى جبره على الضمان لانعدام مباشرة سبب وجوب الضمان منه وقيل له خيار ثالث وهو ان له ترك الثوب على حاله وكان الصبغ فيه للغاصب فيباع الثوب ويقسم الثمن على قدر حقهما كما إذا انصبغ لا بفعل أحد لان الثوب ملك المغصوب منه والصبغ ملك الغاصب والتمييز متعذر فصارا شريكين في الثوب فيباع الثوب ويقسم الثمن بينهما على قدر حقهما وإنما كان الخيار للمغصوب منه لا للغاصب وإن كان للغاصب فيه ملك أيضا وهو الصبغ لان الثوب أصل والصبغ تابع له فتخيير صاحب الأصل أولى من أن يخير صاحب التبع وليس للغاصب ان يحبس الثوب بالعصفر لأنه صاحب تبع وان صبغه اسود اختلف فيه قال أبو حنيفة رحمه الله صاحب الثوب بالخيار ان شاء تركه على الغاصب وضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب ولا شئ للغاصب بل يضمنه النقصان وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله السواد وسائر الألوان سواء وهذا بناء على أن السواد نقصان عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يحرق الثوب فينقصه وعندهما زيادة كسائر الألوان وقيل إنه لا خلاف بينهم في الحقيقة وجواب أبي حنيفة رحمه الله في سواد ينقص وجوابهما في سواد يزيد وقيل كان السواد يعد نقصانا في زمنه وزمنهما كان يعد زيادة فكان اختلاف زمان والله سبحانه وتعالى أعلم وأما العصفر إذا نقص الثوب بأن كانت قيمة الثوب ثلاثين فعادت قيمته بالصبغ إلى عشرين فإنه ينظر إلى قدر ما يزيد هذا الصبغ لو كان في ثوب يزيد هذا الصبغ قيمته ولا ينقص فإن كان يزيده قدر خمسة دراهم فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ترك الثوب على الغاصب وضمنه قيمة الثوب أبيض ثلاثين درهما وان شاء أخذ الثوب وأخذ من الغاصب خمسة دراهم كذا قال محمد رحمه الله لان العصفر نقص من هذا الثوب عشرة دراهم الا أن يقدر خمسة فيه صبغ فانجبر نقصان الخمسة به أو صارت الخمستان قصاصا وبقى نقصان خمسة دراهم فيرجع عليه بخمسة وكذلك السواد على هذا والله سبحانه وتعالى أعلم ولو صبغ الثوب المغصوب بعصفر نفسه وباعه وغاب ثم حضر صاحب الثوب يقضى له بالثوب ويستوثق منه بكفيل أما القضاء بالثوب لصاحب الثوب فلما ذكرنا ان الثوب أصل والصبغ تابع له فكان صاحب الثوب صاحب أصل فكان اعتبار جانبه أولى وأما الاستيثاق بكفيل فلان للغاصب فيه عين مال مقتوم قائم ولو وقع الثوب المغصوب في صبغ انسان فصبغ به أو هبت الريح بثوب انسان فالقته في صبغ غيره فانصبغ به فإن كان الصبغ عصفرا أو زعفرانا فصاحب الثوب بالخيار ان شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد الصبغ فيه لما مر وان شاء امتنع لما ذكرنا انه لا سبيل إلى جبره على الضمان لانعدام مباشرة سبب وجوب الضمان منه فيباح الثوب فيضرب كل واحد منهما بحقه فيضرب صاحب الثوب بقيمة ثوبه أبيض لان حقه في الثوب الأبيض وصاحب الصبغ يضرب بقيمة الصبغ في الثوب وهو قيمة ما زاد الصبغ فيه لان حقه في الصبغ القائم في الثوب لا في الصبغ المنفصل وإنما ثبت الخيار لصاحب الثوب لا للغاصب لما بينا وإن كان سوادا أخذه صاحب الثوب ولا شئ عليه من قيمة الصبغ بل يضمنه النقصان إن كان غاصبا لان النقصان حصل في ضمانه وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما حكمه حكم سائر الألوان على ما بينا والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك السمن يخلط بالسويق المغصوب أو يخلط به فالسويق بمنزلة الثوب والسمن بمنزلة الصبغ لان السويق أصل والسمن كالتابع له ألا ترى انه يقال سويق ملتوت ولا يقال سمن ملتوت وأما العسل إذا خلط بالسمن أو اختلط به فكلاهما أصل وإذا خلط المسك بالدهن أو اختلط به فإن كان يزيد الدهن ويصلحه كان المسك بمنزلة الصبغ وإن كان دهنا لا يصلح بالخلط ولا تزيد قيمته كالادهان المنتنة فهو هالك ولا يعتد به والله سبحانه وتعالى أعلم ولو غصب من إنسان ثوبا ومن إنسان صبغا فصبغه به ضمن لصاحب الصبغ صبغا مثل صبغه لأنه أتلف عليه صبغه وهو من ذوات الأمثال فيكون مضمونا بالمثل فبعد ذلك حكمه
(١٦١)