الأصل يخرج ما إذا غصب من إنسان عينا من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال ونقلها إلى بلدة أخرى فالتقيا والعين في يد الغاصب وقيمتها في ذلك المكان أقل من قيمتها في مكان الغصب ان للمغصوب منه ان يطالبه في ذلك المكان بقيمتها التي في مكان الغصب لان قيم أعيان تختلف باختلاف الأماكن بالزيادة والنقصان فإذا نقلها إلى ذلك المكان وقيمتها فيه أقل من قيمتها في مكان الغصب فقد نقصها من حيث المعنى بالنقل فلو أجبر على أخذ العين لتضرر به من جهة الغاصب فيثبت له الخيار ان شاء طالبه بالقيمة التي في مكان الغصب وان شاء انتظر العود إلى مكان الغصب بخلاف ما إذا وجده في البلد الذي غصبه فيه وقد انتقص السعر انه لا يكون له خيار لان النقصان هناك ما حصل بصنعه لأنه حصل بتغير السعر ولا صنع للعبد في ذلك بل هو محض صنع الله عز وجل أعنى مصنوعه فلم يكن مضمونا عليه ولو كانت قيمة العين في المكان المنقول إليه مثل قيمتها في مكان الغصب أو أكثر ليس له ولاية المطالبة بالقيمة لان الحكم الأصلي للغصب هو وجوب رد العين حال قيام العين والمصير إلى القيمة لدفع الضرر وههنا يمكن الوصول إلى العين من غير ضرر يلزمه فلا يملك العدول إلى القيمة ولو كان المغصوب دراهم أو دنانير فليس له ان يطالبه بالقيمة وان اختلف السعر لان الدراهم والدنانير جعلت أثمان الأشياء ومعنى الثمنية لا يختلف بالاختلاف الأماكن عادة لأنه ليس لها حمل ومؤنة لعزتها وقلتها عادة فلم يكن النقل نقصانا لها باختلاف الأماكن للحاجة إلى الحمل والمؤنة ولم يوجد فلم يكن له ولاية المطالبة بالقيمة وله ان يطالبه برد عينها لأنه هو الحكم الأصلي للغصب والمصير إلى القيمة لعارض العجز أو الضرر ولم يوجد هذا إذا كانت العين المغصوبة قائمة في يد الغاصب فاما إذا كانت هالكة فالتقيا فإن كانت من ذوات القيم أخذ قيمتها التي كانت وقت الغصب لأنها إذا هلكت تبين ان الغصب السابق وقع اتلافا من حين وجوده والحكم يثبت من حين وجود سببه وإن كان من ذوات الأمثال ينظر إن كان سعرها في المكان الذي التقيا فيه أقل من سعرها في مكان الغصب فالمغصوب منه بالخيار ان شاء أخذ القيمة التي للعين في مكان الغصب وان شاء انتظر ولا يجبر على أخذ المثل في هذا المكان لما ذكرنا انه نقص العين بالنقل إلى هذا المكان لما بينا ان اختلاف قيمة الأشياء التي لها حمل ومؤنة يختلف باختلاف المكان لمكان الحمل والمؤنة فالجبر على الاخذ في هذا المكان يكون اضرارا به فيثبت له الخيار ان شاء أخذ القيمة وان شاء انتظر كما لو كانت العين قائمة وقيمتها في هذا المكان أقل وإن كانت قيمتها في هذا المكان مثل قيمتها في مكان الغصب كان للمغصوب منه ان يطالبه بالمثل لأنه لا ضرر فيه على أحد وإن كانت قيمتها في مكان الخصومة أكثر من قيمتها في مكان الغصب بالخيار ان شاء أعطى المثل في مكان الخصومة وان شاء أعطى القيمة في مكان الغصب لان في الزام تسليم المثل في مكان الخصومة ضررا بالغا صلا وفى التأخير إلى العود إلى مكان الغصب ضررا بالمغصوب منه فيسلم إليه في هذا المكان القيمة التي له في مكان الغصب الا ان يرضى المغصوب منه بالتأخير والله سبحانه وتعالى أعلم وإن كان المغصوب من أموال الربا لا يجوز بيعه بجنسه متفاضلا كالمكيلات والموزونات فانتقص في يد الغاصب بصنعه أو بغير صنعه فليس للمغصوب منه أن يأخذه منه ويضمنه قيمة النقصان لأنه يؤدى إلى الربا وعلى هذا يخرج ما إذا غصب حنطه فعفنت في يد الغاصب أو ابتلت أو صب الغاصب فيها ماء فانتقصت قيمتها ان صاحبها بالخيار ان شاء أخذها بعينها ولا شئ له غيرها وان شاء تركها على الغاصب وضمنه مثل ما غصبت وليس له ان يأخذها ويضمنه النقصان وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ذلك بناء على أن الجودة بانفرادها لا قيمة لها في أموال الربا عندنا وعنده لها قيمة والمسألة مرت في كتاب البيوع وإذا لم تكن متقومة لا تكون مضمونة لان المضمون هو المال المتقوم ولأنها إذا لم تكن متقومة تؤدى إلى الربا ولو غصب درهما صحيحا أو دينارا صحيحا فانكسر في يده أو كسره إن كان في موضع لا يتفاوت الصحيح والمكسر في القيمة لا شئ على الغاصب وإن كان في موضع يتفاوت فصاحبها بالخيار ان شاء أخذه منه بعينه ولا شئ له غيره وان شاء تركه عليه وضمنه مثل ما أخذ وليس له أن يأخذه بعينه ويضمنه
(١٥٩)