في المضمون فيظهر في الكسب والغلة والريح وأما شرط ثبوت الملك في المضمون فما هو شرط ثبوت الملك في الضمان وهو اختيار الضمان عند أبي حنيفة رحمه الله فالمغصوب قبل اختيار الضمان على حكم ملكه عنده فإنه لو أراد أن لا يختار الضمان حتى يهلك المغصوب على ملكه ويكون له ثواب هلاكه على ملكه ويخاصم الغاصب في القيمة له ذلك وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هذا ليس بشرط ويثبت الملك قبل الاختيار في الضمان والمضمون جميعا وعلى هذا الأصل يبنى الصلح عن المغصوب الذي لا مثل له على اضعاف قيمته انه جائز عنده وعندهما لا يجوز (ووجه) البناء أنه لما وجب الضمان بنفس الهلاك عندهما وهو مال مقدر والزيادة عليه تكون ربا ولما توقف الوجوب على اختيار المالك عنده ولم يوجد منه الاختيار كان الصلح تقدير القيمة المغصوب هذا القدر وتمليكا للمغصوب به كأنه باعه من الغاصب به فجاز والله تعالى أعلم (وأما) صفة الملك الثابت للغاصب في المضمون فلا خلاف بين أصحابنا في أن الملك الثابت له يظهر في حق نفاذ التصرفات حتى لو باعه أو وهبه أو تصدق به قبل أداء الضمان ينفذ كما تنفذ هذه التصرفات في المشترى شراء فاسدا واختلفوا في أنه هل يباح له الانتفاع به بأن يأكله بنفسه أو يطعمه غيره قبل أداء الضمان فإذا حصل فيه فضل هل يتصدق بالفضل قال أبو حنيفة رضي الله عنه ومحمد رحمه الله لا يحل له الانتفاع حتى يرضى صاحبه وإن كان فيه فضل يتصدق بالفضل وقال أبو يوسف رحمه الله يحل له الانتفاع ولا يلزمه التصدق بالفضل إن كان فيه فضل وهو قول الحسن وزفر رحمهما والله وهو القياس وقول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله استحسان (وجه) القياس ان المغصوب مضمون لا شك فيه وهو مملوك للغاصب من وقت الغصب على أصل أصحابنا فلا معنى للمنع من الانتفاع وتوقيف الحل على رضا غير المالك كما في سائر أملاكه ويطيب له الربح لأنه ربح ما هو مضمون ومملوك وربح ما هو مضمون غير مملوك يطيب له عنده لما نذكر فربح المملوك المضمون أولى (وجه) الاستحسان ما روى أنه عليه الصلاة والسلام أضافه قوم من الأنصار فقدموا إليه شاة مصلية فجعل عليه الصلاة والسلام يمضغه ولا يسيغه فقال عليه الصلاة والسلام ان هذه الشاة لتخبرني أنها ذبحت بغير حق فقالوا هذه الشاة لجار لنا ذبحناها لنرضيه بثمنها فقال عليه الصلاة والسلام اطعموها الأسارى أمر عليه الصلاة والسلام بأن يطعموها الأسارى ولم ينتفع به ولا أطلق لأصحابه الانتفاع بها ولو كان حلالا طيبا لأطلق مع خصاصتهم وشدة حاجتهم إلى الاكل ولان الطيب لا يثبت الا بالملك المطلق وفى هذا الملك شبهة العدم لأنه يثبت من وقت الغصب بطريق الاستناد والمستند يظهر من وجه ويقتصر على الحال من وجه فكان في وجوده من وقت الغصب شبهة العدم فلا يثبت به الحل والطيب ولان الملك من وجه حصل بسبب محضور أو وقع محظورا بابتدائه فلا يخلو من خبث ولان إباحة الانتفاع قبل الارضاء يؤدى إلى تسليط السفهاء على أكل أموال الناس بالباطل وفتح باب الظلم على الظلمة وهذا لا يجوز وعلى هذا يخرج ما إذا غصب حنطة فطحنها أنه لا يحل له الانتفاع بالدقيق حتى يرضى صاحبه ولو غصب حنطة فزرعها قال أبو حنيفة ومحمد يكره له أن ينتفع به حتى يرضى صاحبه ويتصدق بالفضل وقال أبو يوسف لا يكره له الانتفاع به قبل أداء الضمان ولا يلزمه التصدق بالفضل فظاهر هذا الاطلاق يدل على أن عندهما يكره الانتفاع به حتى يرضى صاحبه بأداء الضمان وفرق أبو يوسف بين الزرع والطحن فقال في الطحن مثل قولهما أنه لا يحل الانتفاع به حتى يرضى صاحبه لان الحنطة لم تهلك بالطحن وإنما تغيرت صفتها من التركيب إلى التفريق فكان عين الحنطة قائمة فكان حق المالك فيها قائما خلاف الزرع لان البذر يهلك بالزراعة لأنه يغيب في الأرض فيخرج من أن يكون مالا متقوما فلم يبق للمالك فيه حق فلم يكره الانتفاع به وكذلك قال أبو يوسف رحمه الله فيمن غصب نوى فصار نخلا انه يحل الانتفاع به كما في الحنطة إذا زرعها وقال في الودي إذا غرسه فصار نخلا أنه يكره الانتفاع به حتى يرضى صاحبه لان النوى يعفن ويهلك والودي يزيد في نفسه وروى عن أبي حنيفة في الشاة إذا ذبحها فشواها انه لا يسع له أن يأكلها ولا يطعم أحدا حتى يضمن القيمة وإن كان صاحبها غائبا أو حاضرا لا يرضى بالضمان لا يحل له أكلها وإذا دفع الغاصب
(١٥٣)