ما اعتدى عليكم وقال عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا اضرار في الاسلام وقد تعذر نفى الضرر من حيث الصورة فيجب نفيه من حيث المعنى بالضمان ليقوم الضمان مقام المتلف فينتفى الضرر بالقدر الممكن ولهذا وجب الضمان بالغصب فبالاتلاف أولى لأنه في كونه اعتداء واضرارا فوق الغصب فلما وجب بالغصب فلان يجب بالاتلاف أولى سواء وقع اتلافا له صورة ومعنى باخراجه عن كونه صالحا للانتفاع أو معنى باحداث معنى فيه يمنع من الانتفاع به مع قيامه في نفسه حقيقة لان كل ذلك اعتداء واضرار وسواء كان الاتلاف مباشرة بايصال الآلة بمحل التلف أو تسبيبا بالفعل في محل يفضى إلى تلف غيره عادة لان كل واحد منهما يقع اعتداء واضرارا فيوجب الضمان وبيان ذلك في مسائل إذا قتل دابة انسان أو أحرق ثوبه أو قطع شجرة انسان أو أراق عصيره أو هدم بناءه ضمن سواء كان المتلف في يد المالك أو في يد الغاصب لتحقق الاتلاف في الحالين غير أن المغصوب إن كان منقولا وهو في يد الغاصب يخير المالك ان شاء ضمن الغاصب وان شاء ضمن المتلف لوجود سبب وجوب الضمان من كل واحد منهما فان ضمن الغاصب فالغاصب يرجع بما ضمن على المتلف لأنه ملك المغصوب بالمضان فتبين ان الاتلاف ورد على ملكه وان ضمن المتلف لا يرجع بالضمان على أحد وإن كان عقارا ضمن المتلف ولا يضمن الغاصب عندهما وعند محمد رحمه الله الجواب فيه وفى المنقول سواء بناء على أن العقار غير مضمون بالغصب عندهما وعنده مضمون به فكان له أن يضمن أيهما شاء كما في المنقول وكذلك إذا نقص مال انسان بما لا يجرى فيه الربا ضمن النقصان سواء كان في يد المالك أو في يد الغاصب لان النقص اتلاف جزء منه وتضمينه ممكن لأنه لا يؤدى إلى الربا فيضمن قدر النقصان بخلاف الأموال الربوية على ما مر غير أن النقصان إن كان بفعل غير الغاصب فالمغصوب منه بالخيار ان شاء ضمن الغاصب ويرجع الغاصب على الذي نقص وان شاء ضمن الذي نقص وهو لا يرجع على أحد لما قلنا ولو غصب عبدا قيمته ألف درهم فازداد في يد الغاصب حتى صارت قيمته الفين فقتله انسان خطا فالمالك بالخيار ان شاء ضمن الغاصب قيمته وقت الغصب ألف درهم وان شاء ضمن القاتل قيمته وقت القتل الفين لأنه وجد سببا وجوب الضمان الغصب والقتل والزيادة الحادثة في يد الغاصب غير مضمونة بالغصب وهي مضمونة بالقتل لذلك ضمن الغاصب ألفا والقاتل الفين فان ضمن القاتل فإنه لا يرجع على أحد وان ضمن الغاصب فالغاصب يرجع على عاقلة القاتل بألفين ويتصدق بالفضل على الألف وأما الرجوع عليهم بألفين فلانه ملك المغصوب بالضمان فتبين أن القتل ورد على عبد الغاصب فيضمن قيمته وأما التصدق بالفضل على الألف فلتمكن الخبث فيه لاختلال الملك وينبغي أن يكون هذا على أصل أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله اظهر فاما على أصل أبى يوسف رحمه الله فالفضل طيب له ولا يلزمه التصدق به وان قتله الغاصب بعد الزيادة خطأ فالمغصوب منه بالخيار ان شاء ضمنه الغاصب قيمته يوم الغصب ألف درهم وان شاء ضمنه عاقلته قيمته يوم القتل الفي درهم وهو الصحيح بخلاف المغصوب إذا كان حيوانا سوى بني آدم فقتله الغاصب بعد الزيادة انه لا يضمن قيمته الا يوم الغصب ألف درهم عند أبي حنيفة رحمه الله وقد بينا له الفرق بينهما فيما تقدم ولو قتل العبد نفسه في يد الغاصب بعد حدوث الزيادة ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ألفا لان قتله نفسه يهدر فيلحق بالعدم كأنه مات بنفسه ولو كان كذلك يضمن قيمته يوم الغصب ألف درهم كذا هذا ولو كانت الجارية ولدت ولدا فقتلت ولدها ثم ماتت الجارية فعلى الغاصب قيمتها يوم الغصب ألف درهم وليس عليه ضمان الولد لان قتلها ولدها هدر ولا حكم له فالتحق بالعدم كأنه مات حتف أنفه فهلك أمانة وبقيت الام مضمونة بالغصب ولو أودع رجلان رجلا كل واحد منهما ألف درهم فخلط المستودع أحد الألفين بالآخر خلطا لا يتميز ضمن لكل واحد منهما ألفا وملك المخلوط في قول أبي حنيفة رحمه الله لان الخلط وقع اتلافا معنى وعندهما بالخيار بين أن يأخذا ذلك ويقتسماه بينهما وبين أن يضمناه والمسألة مرت في كتاب الوديعة ثم قال محمد رحمه الله ولا يسع المودع أكل هذه الدراهم حتى يؤدى مثلها إلى أصحابها وهذا صحيح لا خلاف فيه
(١٦٥)