فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال سيدنا عمر رضي الله عنه هلا طينتم عليه بيتا ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني وهكذا روى عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال يستتاب المرتد ثلاثا وتلي هذه الآية ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ولان من الجائز ان عرضت له شبهة حملته على الردة فيؤجل ثلاثا لعلها تنكشف في هذه المدة فكانت الاستتابة ثلاثا وسيلة إلى الاسلام عسى فندب إليها فان قتله انسان قبل الاستتابة يكره له ذلك ولا شئ عليه لزوال عصمته بالردة وتوبته ان يأتي بالشهادتين ويبرأ عن الدين الذي انتقل إليه فان تاب ثم ارتد ثانيا فحكمه في المرة الثانية كحكمه في المرة الأولى انه ان تاب في المرة الثانية قبلت توبته وكذا في المرة الثالثة والرابعة لوجود الايمان ظاهرا في كل كرة لوجود ركنه وهو اقرار العاقل وقال الله تبارك وتعالى ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا فقد أثبت سبحانه وتعالى الايمان بعد وجود الردة منه والايمان بعد وجود الردة لا يحتمل الرد الا انه إذا تاب في المرة الرابعة يضربه الامام ويخلى سبيله وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه انه إذا تاب في المرة الثالثة حبسه الامام ولم يخرجه من السجن حتى يرى عليه أثر خشوع التوبة والاخلاص وأما المرأة فلا يباح دمها إذا ارتدت ولا تقتل عندنا ولكنها تجبر على الاسلام واجبارها على الاسلام ان تحبس وتخرج في كل يوم فتستتاب ويعرض عليها الاسلام فان أسلمت والا حبست ثانيا هكذا إلى أن تسلم أو تموت وذكر الكرخي رحمه الله وزاد عليه تضرب أسواطا في كل مرة تعزيرا لها على ما فعلت وعند الشافعي رحمه الله تقتل لعموم قوله عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فاقتلوه ولأن علة إباحة الدم هو الكفر بعد الايمان ولهذا قتل الرجل وقد وجد منها ذلك بخلاف الحربية وهذا لان الكفر بعد الايمان أغلظ من الكفر الأصلي لان هذا رجوع بعد القبول والوقوف على محاسن الاسلام وحججه وذلك امتناع من القبول بعد التمكن من الوقوف دون حقيقة الوقوف فلا يستقيم الاستدلال (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقتلوا امرأة ولا وليدا ولان القتل إنما شرع وسيلة إلى الاسلام بالدعوة إليه بأعلى الطريقين عند وقوع اليأس عن اجابتها بادناهما وهو دعوة اللسان بالاستتابة باظهار محاسن الاسلام والنساء اتباع الرجال في إجابة هذه الدعوة في العادة فإنهن في العادات الجارية يسلمن بالاسلام أزواجهن على ما روى أن رجلا أسلم وكانت تحته خمس نسوة فأسلمن معه وإذا كان كذلك فلا يقع شرع القتل في حقها وسيلة إلى الاسلام فلا يفيد ولهذا لم تقتل الحربية بخلاف الرجل فان الرجل لا يتبع رأى غيره خصوصا في أمر الدين بل يتبع رأى نفسه فكان رجاء الاسلام منه ثابتا فكل شرع القتل مفيدا فهو الفرق والحديث محمول على الذكور عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض وكذلك الأمة إذا ارتدت لا تقتل عندنا وتجبر على الاسلام ولكن يجبرها مولاها ان احتاج إلى خدمتها ويحبسها في بيته لان ملك المولى فيها بعد الردة قائم وهي مجبورة على الاسلام شرعا فكان الرفع إلى المولى رعاية للحقين ولا يطؤها لان المرتدة لا تحل لاحد وكذلك الصبي العاقل لا يقتل وان صحت ردته عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما لان قتل البالغ بعد الاستتابة والدعوة إلى الاسلام باللسان واظهار حججه وايضاح دلائله لظهور العناد ووقوع اليأس عن فلاحه وهذا لا يتحقق من الصبي فكان الاسلام منه مرجوا والرجوع إلى الدين الحق منه مأمولا فلا يقتل ولكن يجبر على الاسلام بالحبس لان الحبس يكفيه وسيلة إلى الاسلام وعلى هذا صبي أبواه مسلمان حتى حكم باسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه اقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ أصلا لانعدام دليله وهو الاقرار حتى لو أقر بالاسلام ثم ارتد يقتل لوجود الردة منه بوجود دليلها وهو الاقرار فلم يكن الموجود منه رده حقيقة فلا يقتل ولكنه يحبس لأنه كان له حكم الاسلام قبل البلوغ ألا ترى انه حكم باسلامه بطريق التبعية والحكم في اكسابه كالحكم في اكساب المرتد لأنه مرتد حكما وسنذكر الكلام في اكساب المرتد في موضعه إن شاء الله تعالى ومنها حرمة الاسترقاق
(١٣٥)