فان المرتد لا يسترق وان لحق بدار الحرب لأنه لم يشرع فيه الا الاسلام أو السيف لقوله سبحانه وتعالى تقاتلونهم أو يسلمون وكذا الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا عليه في زمن سيدنا أبى بكر رضي الله عنه ولان استرقاق الكافر للتوسل إلى الاسلام واسترقاقه لا يقع وسيلة إلى الاسلام على ما مر من قبل ولهذا لم يجز ابقاؤه على الحرية بخلاف المرتدة إذا لحقت بدار الحرب انها تسترق لأنه لم يشرع قتلها ولا يجوز ابقاء الكافر على الكفر الا مع الجزية أو مع الرق ولا جزية النسوان فكان ابقاؤها على الكفر مع الرق أنفع للمسلمين من ابقائها من غير شئ وكذا الصحابة رضي الله عنهم استرقوا نساء من ارتد العرب وصبيانهم حتى قيل إن أم محمد ابن الحنفية وهي خولة بنت اياس كانت من سبى بنى حنيفة ومنها حرمة أخذ الجزية فلا تؤخذ الجزية من المرتد لما ذكرنا ومنها ان العاقلة لا تعقل جنايته لما ذكرنا من قبل ان موجب الجناية على الجاني وإنما العاقلة تتحمل عنه بطريق التعاون والمرتد لا يعاون ومنها الفرقة إذا ارتد أحد الزوجين ثم إن كانت الردة من المرأة كانت فرقة بغير طلاق بالاتفاق وإن كانت من الرجل ففيه خلاف مذكور في كتاب النكاح ولا ترتفع هذه الفرقة بالاسلام ولو ارتد الزوجان معا أو أسلما معا فهما على نكاحهما عندنا وعند زفر رحمه الله فسد النكاح ولو أسلم أحدهما قبل الاخر فسد النكاح بالاجماع وهي من مسائل كتاب النكاح ومنها انه لا يجوز انكاحه لأنه لا ولاية له ومنها حرمة ذبيحته لأنه لا ملة له لما ذكرنا ومنها انه لا يرث من أحد لانعدام الملة والولاية ومنها انه تحبط أعماله لكن بنفس الردة عندنا وعند الشافعي رحمه الله بشريطة الموت عليها وهي مسألة كتاب الصلاة ومنها انه لا يجب عليه شئ من العبادات عندنا لان الكفار غير مخاطبين بشرائع هي عبادات عندنا وعند الشافعي رحمه الله يجب عليه وهي من مسائل أصول الفقه وأما الذي يرجع إلى ماله فثلاثة أنواع حكم الملك وحكم الميراث وحكم الدين أما الأول فنقول لا خلاف في أنه إذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه ولا خلاف أيضا في أنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب تزول أمواله عن ملكه واختلف في أنه تزول بهذه الأسباب مقصورا على الحال أم بالردة من حين ووجودها على التوقف فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ملك المرتد لا يزول عن ماله بالردة وإنما يزول بالموت أو القتل أو باللحاق بدار الحرب وعند أبي حنيفة رضي الله عنه الملك في أمواله موقوف على ما يظهر من حاله وعلى هذا الأصل بنى حكم تصرفات المرتد انها جائزة عندهما كما تجوز من المسلم حتى لو أعتق أو دبر أو كاتب أو باع أو اشترى أو وهب نفذ ذلك كله وعقدة تصرفاته موقوفة لوقوف أملاكه فان أسلم جاز كله وان مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطل كله (وجه) قولهما ان الملك كان ثابتا حالة الاسلام لوجود سبب الملك وأهليته وهي الحرية والردة لا تؤثر في شئ من ذلك ثم اختلفا فيما بينهما في كيفية الجواز فقال أبو يوسف رحمه الله جوازها جواز تصرف الصحيح وقال محمد رحمه الله جواز تصرفات المريض مرض الموت (وجه) قول محمد رحمه الله ان المرتد على شرف التلف لأنه يقتل فأشبه المريض مرض الموت وجه قول أبى يوسف ان اختيار الاسلام بيده فيمكنه الرجوع إلى الاسلام فيخلص عن القتل والمريض لا يمكنه دفع المرض عن نفسه فانى يتشابهان (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله انه وجد سبب زوال الملك وهو الردة لأنها سبب لوجوب القتل والقتل سبب لحصول الموت فكان زوال الملك عند الموت مضافا إلى السبب السابق وهو الردة لا يمكنه اللحاق بدار الحرب بأمواله لأنه لا يمكن من ذلك بل يقتل فيبقى ماله فاضلا عن حاجته فكان ينبغي ان يحكم بزوال ملكه للحال الا انا توقفنا فيه لاحتمال العود إلى الاسلام لأنه إذا عاد ترتفع الردة من الأصل ويجعل كان لم يكن فكان التوقف في الزوال للحال لاشتباه العاقبة فان أسلم تبين ان الردة لم تكن سببا لزوال الملك لارتفاعها من الأصل فتبين ان تصرفه صادف محله فيصح وان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب تبين انها وقعت سببا للزوال من حين وجودها فتبين ان الملك كان زائلا من حين وجود الردة لان الحكم لا يتخلف عن سببه فلم يصادف التصرف محله فبطل فاما قبل ذلك كان ملكه موقوفا فكانت تصرفاته المبنية عليه موقوفة ضرورة وأجمعوا على أنه يصح استيلاده حتى أنه لو استولد أمته فادعى ولدها انه يثبت
(١٣٦)