الحدود والقصاص لعلمه انه لا يقدر على اقامتها في دار الحرب الا أنه يضمنه السرقة إن كان استهلكها ويضمنه الدية في باب القتل لأنه يقدر على استيفاء ضمان المال ولو غزا الخليفة أو أمير الشام ففعل رجل من العسكر شيئا من ذلك أقام عليه الحد واقتص منه في العمد وضمنه الدية في ماله في الخطأ لان إقامة الحدود إلى الامام وتمكنه الإقامة بماله من القوة والشوكة باجتماع الجيوش وانقيادها له فكان لعسكره حكم دار الاسلام ولو شذ رجل من العسكر ففعل شيئا من ذلك درئ عنه الحد والقصاص لاقتصار ولاية الامام على المعسكر وعلى هذا يخرج الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا فقتله مسلم عمدا أو خطأ لأنه لا قصاص عليه عندنا على ما ذكرنا وهذا مبنى على أن التقوم عندنا يثبت بدار الاسلام لان التقوم بالعزة ولا عزة الا بمنعة المسلمين وعند الشافعي رحمه الله التقوم يثبت بالاسلام وعلى هذا إذا أسلم الحربي في دار الحرب ولم يعرف ان عليه صلاة ولا صياما ثم خرج إلى دار الاسلام فليس عليه قضاء ما مضى وقال أبو يوسف أستحسن ان يجب عليه القضاء (وجه) قوله إن الصلاة قد وجبت عليه لوجود سبب الوجوب وهو الوقت وشرطه وهو الاسلام والصلاة الواجبة إذا فاتت عن وقتها تقضى كالذمي إذا أسلم في دار الاسلام ولم يعرف ان عليه ذلك حتى مضى عليه أوقات صلوات ثم علم (وجه) قول أبي حنيفة ان وجوب الشرائع يعتمد البلوغ وهو العلم بالوجوب لان وجوبها لا يعرف الا بالشرع بالاجماع ان اختلفا في وجوب الايمان الا ان حقيقة العلم ليست بشرط بل امكان الوصول إليه كاف وقد وجد ذلك في دار الاسلام لأنها دار العلم بالشرائع ولم يوجد في دار الحرب لأنها دار الجهل بها بخلاف وجوب الايمان وشكر النعم وحرمة الكفر والكفران ونحو ذلك لأن هذه الأحكام لا يقف وجوبها على الشرع بل تجب بمجرد العقل عندنا فان أبا يوسف روى عن أبي حنيفة رحمه الله هذه العبارة فقال كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول لا عذر لاحد من الخلق في جهله معرفة خالقه لان الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفس وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى فاما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فان هذا لم تقم عليه حجة حكمية بلفظه وعلى هذا إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الاسلام جاز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وكذلك لو كان أسيرا في أيديهم أو أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا فعاقد حربيا وقال أبو يوسف لا يجوز للمسلم في دار الحرب الا ما يجوز له في دار الاسلام (وجه) قوله إن حرمة الربا ثابتة في حق العاقدين أما في حق المسلم فظاهر وأما في حق الحربي فلان الكفار مخاطبون بالحرمات وقال تعالى جل شانه وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ولهذا حرم مع الذمي والحربي الذي دخل دارنا بأمان (وجه) قولهما ان أخذ الربا في معنى اتلاف المال واتلاف مال الحربي مباح وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي فكان المسلم بسبيل من أخذه الا بطريق الغدر والخيانة فإذا رضى به انعدم معنى الغدر بخلاف الذمي والحربي المستأمن لان أموالهما معصومة على الاتلاف ولو عاقد هذا المسلم الذي دخل بأمان مسلما أسلم هناك ولم يهاجر الينا جاز عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز ولو كانا أسيرين أو دخلا بأمان للتجارة فتعاقدا عقد الربا أو غيره من البياعات الفاسدة لا يجوز بالاتفاق (وجه) قولهما ان أخذ الربا من المسلم اتلاف مال معصوم من غير رضاه معنى لان الشرع حرم عليه ان تطيب نفسه بذلك بقوله عليه الصلاة والسلام من زاد واستزاد فقد أربى والساقط شرعا والعدم حقيقة سواء فأشبه تعاقد الأسيرين والتاجرين (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه أن أخذ الربا في معنى اتلاف المال ومال الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا غير مضمون بالاتلاف يدل عليه ان نفسه غير مضمونة بالقصاص ولا بالدية عندنا وحرمة المال تابعة لحرمة النفس بخلاف التاجرين والأسيرين فان مالهما مضمون بالاتلاف وعلى هذا إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فادانه حربي أو ادان حربيا ثم خرج المسلم وخرج الحربي مستأمنا فان القاضي لا يقضى لواحد منهما على صاحبه بالدين وكذلك لو غصب أحدهما صاحبه شيئا لا يقضى بالغصب لان المداينة في دار الحرب وقعت هدرا
(١٣٢)