فنقول وبالله التوفيق معرفة مسائل الغصب في الأصل مبنية على معرفة حد الغصب وعلى معرفة حكم اختلاف الغاصب والمغصوب منه (أما) حد الغصب فقد اختلف العلماء فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل في المال وقال محمد رحمه الله الفعل في المال ليس بشرط لكونه غصبا وقال الشافعي رحمه الله هو اثبات اليد على مال الغير بغير اذنه والإزالة ليست بشرط (أما) الكلام مع الشافعي رحمه الله فهو احتج لتمهيد أصله بقوله سبحانه وتعالى وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا جعل الغصب مصدر الاخذ فدل ان الغصب والاخذ واحد والاخذ اثبات اليد الا أن الاثبات إذا كان بإذن المالك يسمى ايداعا وإعارة وابضاعا في عرف الشرع وإذا كان بغير اذن المالك يسمى في متعارف الشرع غصبا ولأن الغصب إنما جعل سببا لوجوب الضمان بوصف كونه تعديا فإذا وقع الاثبات بغير اذن المالك وقع تعديا فيكون سببا لوجوب الضمان بوصف كونه تعديا والدليل عليه ان غاصب الغاصب ضامن وان لم يوجد منه إزالة يد المالك لزوالها بغصب الغاصب الأول وإزالة الزائل محال والله سبحانه وتعالى أعلم (ولنا) الاستدلال بضمان الغصب من وجهين أحدهما ان المالك استحق إزالة يد الغاصب عن الضمان فلابد وأن يكون الغصب منه إزالة يد المالك لان الله تبارك وتعالى لم يشرع الاعتداء الا بالمثل بقوله سبحانه وتعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والثاني ان ضمان الغصب لا يخلوا إما أن يكون ضمان زجر واما أن يكون ضمان جبر ولا سبيل إلى الأول لأنه يجب على من ليس من أهل الزجر ولان الانزجار لا يحصل به فدل انه ضمان جبر والجبر يستدعى الفوات فدل انه لابد من التفويت لتحقق الغصب ولا حجة له في الآية لان الله تعالى فسر أخذ الملك تلك السفينة بغصبه إياها كأنه قال سبحانه وتعالى وكان وراؤهم ملك يغصب كل سفينة وهذا لا يدل على أن كل أخذ غصب بل هي حجة عليه لان غصب ذلك الملك كان اثبات اليد على السفينة مع إزالة أيدي المساكين عنها فدل على أن الغصب اثبات على وجه يتضمن الإزالة (وأما) قوله الغصب إنما أوجب الضمان لكونه تعديا فمسلم لكن التعدي في الإزالة لا في الاثبات لان وقوعه تعديا بوقوعه ضارا بالمالك وذلك باخراجه من أن يكون منتفعا به في حق المالك واعجازه عن الانتفاع به وهو تفسير تفويت اليد وازالتها (فاما) مجرد الاثبات فلا ضرر فيه فلم يكن الاثبات تعديا وعلى هذا الأصل يخرج زوائد الغصب انها ليس بمضمونة سواء كانت منفصلة كالولد واللبن والثمرة أو متصلة كالسمن والجبل لأنها لم تكن في يد المالك وقت غصب الام فلم توجد إزالة يده عنها فلم يوجد الغصب وعند محمد مضمونة لأن الغصب عنده اثبات اليد على مال الغير بغير اذن مالكه وقد وجد الغصب وهل تصير مضمونة عندنا بالبيع والتسليم والمنع أو الاستهلاك أو الاستخدام جبرا (أما) المنفصلة فلا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أنها تصير مضمونة بها (وأما) المتصلة فذكر في الأصل انها تصير مضمونة بالبيع والتسليم ولم يذكر الخلاف وصورة المسألة إذا غصب جارية قيمتها ألف درهم فازدادت في بدنها خيرا حتى صارت قيمتها الفي درهم فباعها وسلمها إلى المشترى فهلكت في يده فالمالك بالخيار ان شاء ضمن المشترى قيمتها الفي درهم وان شاء ضمن البائع فان اختار تضمين المشترى ضمنه قيمتها يوم القبض الفي درهم وان اختار تضمين البائع ضمنه بالبيع والتسليم قيمتها الفي درهم أيضا كذا ذكر في الأصل ولم يذكر الخلاف وحى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله الخلاف ان على قول أبي حنيفة رحمه الله ان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم القبض الفي درهم وان شاء ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ألف درهم وليس له أن يضمنه زيادة البيع والتسليم وكذا ذكره الحاكم الشهيد في المنتقى وحكى الخلاف وهكذا ذكر الطحاوي في مختصر الا أنه ذكر الاستهلاك مطلقا فقال الا أن يستهلكها وفسره الجصاص في شرحه مختصر الطحاوي فقال الا أن يكون عبدا أو جارية فيقتل وهذا هو الصحيح ان المغصوب إذا كان عبدا أو جارية فقتله الغاصب خطأ يكون المالك بالخيار ان شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب وان شاء ضمن عاقلة القاتل قيمته وقت القتل زائدة في ثلاث سنين (وجه) قولهما ان البيع والتسليم غصب لأنه تفويت امكان الاخذ لان المالك
(١٤٣)