أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، ولأنه لا يأمن إذا وصى به أن يفرط به بعد موته فإن اختار أن يوصى فالمستحب ان لا يؤخر الوصية لما روى ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما حق امرئ مسلم عنده شئ يوصى يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده) ولأنه إذا اخر لم يأمن أن يموت فجأة فتفوته.
(فصل) وأما من لا يجوز تصرفه في المال - فإن كان ممن لا يميز كالمعتوه والمبرسم ومن عاين الموت - لم تصح وصيته لان الوصية تتعلق صحتها بالقول ولا قول لمن لا يميز، ولهذا لا يصح اسلامه ولا توبته فلم تصح وصيته، فإن كان صبيا مميزا أو بالغا مبذرا ففيه قولان (أحدهما) لا تصح وصيته، لأنه تصرف في المال فلم يصح من الصبي والمبذر كالهبة (والثاني) تصح، لأنه إنما منع من التصرف خوفا من إضاعة المال ليس في الوصية إضاعة المال، لأنه ان عاش فهو على ملكه، وان مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصل له ذلك بالوصية.
(الشرح) قوله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم) الآية. في هذه الآية وجهان كل وجه لا يطرد في كل الناس، لان الناس منهم من يصلح لهم أن يكون معنى الآية ما روى عن سعيد بن جبير: إذا حضر الرجل الوصية فلا ينبغي أن يقول أوصى بمالك، فان الله تعالى رزاق ولدك، ولكن يقول قدم لنفسك واترك لولدك، فذلك قوله تعالى (فليتقوا الله) ومنهم من يصلح له ما قال مقسم وحضرمي: نزلت في عكس هذا، وهو أن يقول للمحتضر من يحضره: أمسك على ورثتك، وابق لولدك، فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصية فيتضرر بذلك ذووا القربى وكل من يستحق ان يوصى له، فقيل لهم، كما تخشون على ذريتكم وتسرون بان يحسن إليهم فكذلك سددوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضررهم وهذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث