وذهب النووي إلى تحديد حريم البئر المحفورة في الموات بمقدار موقف النازح منها، قال الرملي: وهل يعتبر قدر النازح من سائر الجوانب أو من أحدها فقط الأقرب اعتبار العادة في مثل ذلك المحل اه.
وعلى هذا يكون حريم البئر من جوانبه ما يحتاج إليه في مجال عمله، وينبغي أن يمتد حريمها إلى ما تقتضيه. وقال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا، وحريم العين خمسمائة ذراع، لان أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (حريم البئر أربعون ذراعا لاعطان الإبل والغنم).
(قلت) حديث أبي هريرة رواه أحمد (حريم البئر العادي خمسون ذراعا، وحريم البئر البدئ خمسة وعشرون ذراعا) وعن الشعبي مثله. وقد روى الدارقطني والخلال بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حريم البئر خمس وعشرون ذراعا، وحريم العادي خمسون ذراعا) وقد أعله الدارقطني بالارسال وقال: من أسنده فقد وهم، وفى سنده محمد بن يوسف المقري شيخ شيخ الدارقطني وهو منهم بالوضع، ورواه البيهقي من طريق يونس عن الزهري عن المسيب مرسلا وزاد فيه (وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها) وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة موصولا ومرسلا والموصول فيه عمر بن قيس وهو ضعيف: والأحاديث في مجموعها تثبت أن للبئر حريما، والمراد بالحريم ما يمنع منه المحيى والمحتفر لاضراره. وفى النهاية: سمى بالحريم لأنه يحرم منع صاحبه منه، ولأنه يحرم على غيره التصرف فيه.
وحديث عبد الله بن مغفل الذي ساقه المصنف يجعل العلة في ذلك هي ما يحتاج إليه صاحب البئر عند سقى إبله لاجتماعها على الماء.
وحديث أبي هريرة دال على أن العلة هو ما يحتاج إليه البئر لئلا تحصل المضرة عليها باقتراب الاحياء منها، ولذا وقع الاختلاف بين حالي كل من البدئ والعادي، والجمع بين الحديثين يمكن أن ينظر فيهما من وجه الحاجة فإن كانت لأجل سقى الماشية فحديث الأربعين أو الخمس والعشرين، وإن كانت لأجل البئر فخمسين وقد ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن حريم البئر أربعون، وذهب أحمد إلى أن الحريم خمسة وعشرون.