فهدا قول من جعل حكم الآية ثابتا، وذهب الفقهاء وجمهور أهل التفسير إلى نسخها بالمواريث، واختلفوا بأي آية نسخت، فقال ابن عباس نسخت بآية الوصايا بقوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك) الخ وقال آخرون نسخت بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) الآية.
والوصية على ثلاثة أقسام قسم لا يجوز وقسم يجوز ولا يجب وقسم مختلف في وجوبه فما التي لا يجوز فالوصية للوارث لحديث شرحبيل بن مسلم عن أبي امامه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ان الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصيه لوارث) وأما التي تجوز ولا تجب فالوصية للأجانب وهذا مجمع عليه، وقد أوصى البراء بن معرور للنبي صلى الله عليه وسلم بثلث ماله فقبله ثم رده على ورثته. واما التي اختلف فيها فالوصية للأقارب، وذهب أهل الظاهر مع من قدمنا ذكره في تفسير الآية إلى وجوبها للأقارب تعالقا بظاهر قوله تعالى (الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وبما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات من غير وصية مات ميتة جاهليه، والدليل على أنها غير واجبه للأقارب والأجانب، ما روى ابن عباس وعائشة وابن أبي أوفى رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص، وحديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه (انك ان تدع ورثتك أغنياء خيرا من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس) فاقتصر صلى الله على وسلم في الوصية على ما جعله خارجا مخرج الجواز لا مخرج الايجاب ثم بين ان غنى الورثة بعده أولى من فقرهم إلى الصدقة، ولان الوصية لو وجبت لا جبر عليها ولاخذت من ماله عند موته ان امتنع منها كالديون والزكوات. ولان الوصايا عطايا فأشبهت الهبات، فاما الآية فمنع الوالدين من الوصية مع تقديم ذكرهما فيه دليل على نسخها.
وأما قوله صلى الله على وسلم من مات من غير وصيه مات ميتة جاهلية، فمحمول على أحد أمرين: أما وجوبها قبل النسخ، واما على من كانت عليه ديون وحقوق لا يوصل إلى أربابها الا بالوصية، فتصير بذكرها وأدائها واجبه ويجوز الوصية بتعيين الناظر في ماله بعد موته، فإن كان له أب أو جد لم يجز أن يوصى إلى غره بالنظر، لأن ولاية الجد مستحقه بالشرع.