ومضى ابن القيم في هذا الاستطراد من أمور المساقاة والمزارعة والجعالة ما ندعه لسوقه في موطنه، لأنه يقول:
وهذه المسألة ذكرت استطرادا، والا فالمقصود أن الناس إذا احتاجوا إلى أرباب الصناعات - كالفلاحين وغيرهم - أجبروا على ذلك بأجرة المثل، وهذا من التسعير الواجب، فهذا تسعير في الأعمال.
وأما التسعير في الأموال، فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد وآلات فعلى أربابه أن يبيعوه بعوض المثل ولا يمكنوا من حبسه الا بما يريدونه من الثمن، والله تعالى قد أوجب الجهاد بالنفس والمال، فكيف لا يجب على أرباب السلاح بذله بقيمته؟ ومن أوجب على العاجز ببدنه أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه ولم يوجب على المستطيع بماله أن يخرج ما يجاهد به الغير فقوله ظاهر التناقض.
وهذا أحد الروايتين عن أحمد وهو الصواب ثم قال الفقيه العلامة مستطردا (فصل) وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء، ولا من يبيع طحينا وخبزا، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجالبين، ولهذا جاء الحديث " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وكذلك لم يكن في المدينة حائك، بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما فيشترونها ويلبسونها. ثم قال (فصل في التسعير) وقد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين (إحداهما) إذا كان للناس سعر غالب فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك فإنه يمنع من ذلك عند مالك، وهل يمنع من النقصان؟ على قولين واحتج مالك رحمه الله بما رواه في موطئه عن يونس بن نسيف عن سعيد بن المسيب " أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق. فقال له عمر " اما أن تزيد في السعر واما أن ترفع من سوقنا "