وقد مر في أول البيوع من شرح المهذب تفسير وتفصيل بيع الحصاة، وهو أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمى الحصاة أو في الأرض ما انتهت إليه الحصاة.
والغرر ثبت النهى عنه في أحاديث منها المذكور عن أبي هريرة وابن مسعود ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان، ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجة، ومنها عن سهل بن سعد عند الطبراني، ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء، وبيع الطير في الهواء، وبيع المعدوم، وبيع المجهول، وبيع الغائب، وبيع الآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه.
قال النووي النهى عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا، ويستثنى من بيع الغرر أمران. أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه، والثاني ما يتسامح بمثله، اما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الامرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن المحشو في الجبة اه.
(قلت) ومن جملة الغرر بيع حبل الحبلة فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي من حديث ابن عمر، وفى رواية عند أبي داود لفظها أكثر تفصيلا منهم حيث فيها " نهى عن بيع حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت " وعند الشيخين رواية أكثر تفصيلا من أبى داود لفظها " كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التي نتجت فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك. والأحاديث المذكورة تقضى ببطلان البيع لان النهى يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية الحفيد:
ومن القواعد التي أدخلها قوم من العلماء في الغرر المنهى عنه أنواع من الايجارات والمشاركات، كالمساقاة والمزارعة ونحو ذلك. فذهب قوم من الفقهاء إلى أن المساقاة والمزارعة حرام باطل، بناء على أنها نوع من الإجارة، لأنها عمل بعوض، والإجارة لابد أن يكون فيها الاجر معلوما لأنها كالثمر.