من الزيادة على الربح الذي جعل لهم فمن خالف أمره عاقبه وأخرجه من السوق وهذا قول مالك في رواية أشهب، واليه ذهب ابن حبيب. وقال به ابن المسيب ويحيى بن سعيد، والليث وربيعة، ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم لا تبيعوا الا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه لا تبيعوه الا بكذا وكذا، مما هو مثل الثمن أو أقل. وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون، لم يتركهم أن يغلوا في الشراء وان لم يزيدوا في الربح على القدر الذي حدد لهم، فإنهم قد يتساهلون في الشراء إذا علموا أن الربح لا يفوتهم.
وأما الشافعي فإنه عارض ذلك بما رواه عن الدراوردي عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر رضي الله عنه " أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما، فقال له:
مدين لكل درهم، فقال له عمر: قد حدثت بعير جاءت من الطائف تحمل زبيبا، وهم يغترون بسعرك، فإما أن ترفع في السعر واما أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه، ثم أتى حاطبا في داره فقال:
ان الذي قلت لك ليس عزمة منى، ولا قضاء إنما هو شئ أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع ".
قال الشافعي: وهذا الحديث مستقصى وليس بخلاف لما رواه مالك. ولكنه روى بعض الحديث أو رواه عنه من رواه. وهذا أتى بأول الحديث وآخره وبه أقول. لان الناس مسلطون على أموالهم. ليس لأحد أن يأخذها أو شيئا منها بغير طيب أنفسهم الا في المواضع التي تلزمهم. وهذا ليس منها.
وعلى قول مالك فقال أبو الوليد الباجي: الذي يؤمر به من حط عنه أن يلحق به. هو السعر الذي عليه جمهور الناس. فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمر باللحاق بسعر الناس أو ترك البيع فان زاد في السعر واحد أو عدد يسير. لم يؤمروا باللحاق بسعره. لان المراعى حال الجمهور. وبه تقوم المبيعات. وهل يقام من زاد في السوق - أي في قدر المبيع بالدراهم - كما يقام من نقص منه؟