قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ومن ذلك أن يلزم ألا يبيع الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب: فهذا من البغي في الأرض والفساد، والظلم الذي يحبس به قطر السماء وهؤلاء يجب التسعير عليهم، وألا يبيعوا إلا بقيمة المثل ولا يشتروا إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء، لأنه إذا منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا، كان ذلك ظلما للناس، ظلما للبائعين، الذين يريدون بيع تلك السلع: وظلما للمشترين منهم.
فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته الزامهم بالعدل ومنعهم من الظلم، وهذا كما أنه لا يجوز الاكراه على البيع تغير حق، فيجوز أو يجب الاكراه عليه بحق، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب، والنفقة الواجبة، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس. ومثل الغراس والبناء الذي في ملك الغير فان لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل، ومثل الاخذ بالشفعة، فان للشفيع أن يمتلك الشقص بثمنه قهرا. وكذلك السراية في العتق، فإنها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرا، وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرا. وكل من وجب عليه شئ من الطعام واللباس والرقيق والمركوب - بحج أو كفارة أو نفقة - فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه. وأجبر على ذلك، ولم يكن له أن يمتنع حتى يبذل له مجانا، أو بدون ثمن المثل. ثم عقد ابن القيم فصلا آخر قال:
ومن ههنا منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة أن يشتركوا، فإنهم إذا اشتركوا، والناس يحتاجون إليهم، أغلوا عليهم الأجرة، ثم قال:
(قلت) وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم، على أن في شركة الشهود مبطلا