بأن يقتصروا فيها على الايمان جملة من غير تفصيل ويقولوا فيها وفي كل ما ورد من آيات الصفات وأخبارها المتشابهة أن الثابت فيها في نفس الامر ما هو اللائق فيها بجلال الله تبارك وتعالى وكماله وتقديسه المطلق فيقول ذلك معتقدنا فيها وليس علينا تفصيله وتعيينه وليس البحث عنه من شأننا بل نكل علم تفصيله إلى الله تبارك وتعالى ونصرف عن الخوض فيه قلوبنا وألسنتنا فهذا ونحوه هو الصواب من أئمة الفتوى في ذلك وهو سبيل سلف الأمة وأئمة المذاهب المعتبرة وأكابر العلماء والصالحين وهو أصون وأسلم للعامة وأشباههم: ومن كان منهم اعتقد اعتقاد باطلا تفصيلا ففي هذا صرف له عن ذلك الاعتقاد الباطل بما هو أهون وأيسر وأسلم: وإذا عزر ولى الامر من حاد منهم عن هذه الطريقة فقد تأسى بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في تعزير صبيع بفتح الصاد المهملة الذي كان يسأل عن المتشابهات على ذلك: قال والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هذه الطريقة وبأنها أسلم لمن سلمت له وكان الغزالي منهم في آخر أمره شديد المبالغة في الدعاء إليها والبرهنة عليها وذكر شيخه إمام الحرمين في كتابه الغياثي ان الامام يحرص ما أمكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك: واستفتى الغزالي في كلام الله تبارك وتعالى فكان من جوابه وأما الخوض في أن كلامه تعالى حرف وصوت أوليس كذلك فهو بدعة وكل من يدعو العوام إلى الخوض في هذا فليس من أئمة الدين وإنما هو من المضلين ومثاله من يدعو الصبيان الذين لا يحسنون السباحة إلى خوض البحر:
ومن يدعو الزمن المقعد إلى السفر في البراري من غير مركوب: وقال في رسالة له الصواب للخلق كلهم الا الشاذ النادر الذي لا تسمح الأعصار الا بواحد منهم أو اثنين سلوك مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما أزله الله تعالى وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بحث وتفتيش والاشتغال بالتقوى ففيه شغل شاغل: وقال الصيمري في كتابه أدب المفتي والمستفتي ان مما أجمع عليه أهل التقوى ان من كان موسوما بالفتوى في الفقه لم ينبغ وفي نسخة لم يجز له أن يضع خطه بفتوى في مسألة من علم الكلام قال وكان بعضهم لا يستتم قراءة مثل هذه الرقعة قال وكره بعضهم أن يكتب ليس هذا من علمنا أو ما جلسنا لهذا أو السؤال عن غير هذا أولى بل لا يتعرض لشئ من ذلك. وحكى الامام الحافظ الفقيه أبو عمر بن عبد البر الامتناع من الكلام في كل ذلك عن الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى قال وإنما خالف ذلك أهل البدع: قال الشيخ فإن كانت المسألة مما يؤمن في تفصيل جوابها من ضرر الخوض المذكور جاز الجواب تفصيلا وذلك بأن يكون جوابها مختصرا مفهوما ليس لها أطراف يتجاذبها المتنازعون والسؤال عنه صدر عن مسترشد خاص منقاد أو من عامة قليلة التنازع والمماراة والمفتي ممن ينقادون لفتواه ونحو هذا وعلى هذا ونحوه يحمل ما جاء عن بعض السلف من بغض الفتوى في بعض المسائل الكلامية وذلك منهم قليل نادر والله أعلم * (التاسعة عشرة) قال الصيمري والخطيب رحمهما الله وإذا سئل فقيه عن مسألة من تفسير القرآن العزيز فإن كانت تتعلق بالأحكام أجاب عنها وكتب خطه بذلك كمن سأل عن الصلاة الوسطى والقرء ومن بيده عقدة النكاح وإن كانت ليست من مسائل الأحكام كالسؤال عن