القطان يعجبان به: وكان القطان وأحمد بن حنبل يدعوان للشافعي في صلاتهما وأجمع الناس على استحسان رسالته وأقوالهم في ذلك مشهورة: وقال المزني قرأت الرسالة خمس مائة مرة ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جديدة وفي رواية عنه قال إنا أنظر في الرسالة من خمسين سنة ما أعلم أنى نظرت فيها مرة إلا واستفدت شيئا لم أكن عرفته: واشتهرت جلالة الشافعي رحمه الله في العراق وسار ذكره في الآفاق وأذعن بفضله الموافقون والمخالفون * واعترف بذلك العلماء أجمعون وعظمت عند الخلفاء وولاة الأمور مرتبته واستقرت عندهم جلالته وإمامته وظهر من فضله في مناظراته أهل العراق وغيرهم ما لم يظهر لغيره.
وأظهر من بيان القواعد ومهمات الأصول ما لا يعرف لسواه: وامتحن في مواطن ما لا يحصى من المسائل فكان جوابه فيها من الصواب والسداد بالمحل الأعلى والمقام الأسمى: وعكف عليه للاستفادة منه الصغار والكبار والأئمة والأحبار من أهل الحديث والفقه وغيرهم * ورجع كثيرون منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه وتمسكوا بطريقته كأبي ثور وخلائق لا يحصون * وترك كثير منهم الاخذ عن شيوخهم وكبار الأئمة لانقطاعهم إلى الشافعي لما رأوا عنده ما لا يجدونه عند غيره وبارك الله الكريم له ولهم في تلك العلوم الباهرة والمحاسن المتظاهرة والخيرات المتكاثرة ولله الحمد على ذلك وعلى سائر نعمه التي لا تحصى: وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة ويرويه عنه أربعة من جلة أصحابه وهم أحمد بن حنبل وأبو ثور والزعفراني والكرابيسي ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة. قال أبو عبد الله حرملة بن يحي قدم علينا الشافعي سنة تسع وتسعين: وقال الربيع سنة مائتين ولعله قدم في آخر سنة تسع جمعا بين الروايتين: وصنف كتبه الجديدة كلها بمصر وسار ذكره في البلدان وقصده الناس من الشام والعراق واليمين وسائر النواحي للاخذ عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبا لم يسبق إليها منها أصول الفقه. ومنها كتاب القسامة. وكتاب الجزية وقتال أهل البغي وغيرها: قال الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي في كتابه مناقب الشافعي سمعت أبا عمر وأحمد بن علي بن الحسن البصري قال سمعت محمد بن حمدان بن سفيان الطرايفي البغدادي يقول حضرت الربيع بن سليمان يوما وقد حط على باب داره سبعمائة راحلة في سماع كتب الشافعي رحمه الله ورضي الله عنه * فصل في تلخيص جملة من حال الشافعي رضي الله عنه اعلم أنه كان من أنواع المحاسن بالمقام الأعلى والمحل الأسنى * لما جمعه الله الكريم له من الخيرات * ووفقه له من جميل الصفات * وسهله عليه من أنواع المكرمات * فمن ذلك شرف النسب الطاهر والعنصر الباهر واجتماعه هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب: وذلك غاية الفضل ونهاية الحسب: ومن ذلك شرف المولد والمنشأ فإنه ولد بالأرض المقدسة ونشأ بمكة: ومن ذلك أنه جاء بعد أن مهدت الكتب وصنفت. وقررت الأحكام ونقحت. فنظر في مذاهب المتقدمين وأخذ عن الأئمة المبرزين وناظر الحذاق