جملا عن السلف وأنشد فيه أشياء كثيرة: والمختار استحباب الإعارة لمن لا ضرر عليه في ذلك لأنه إعانة على العلم مع ما مطلق العارية من الفضل: وروينا عن وكيع أول بركة الحديث إعارة الكتب: وعن سفيان الثوري من بخل بالعلم ابتلى بإحدى ثلاث أن ينساه أو يموت ولا ينتفع به أو تذهب كتبه:
وقال رجل لأبي العتاهية أعرني كتابك قال إني أكره ذلك فقال أما علمت أن المكارم موصولة بالمكارم فأعاره: ويستحب شكر المعير لا حسانه: فهذه نبذ من آداب المعلم والمتعلم وهي وإن كانت طويلة بالنسبة إلى هذا الكتاب فهي مختصرة بالنسبة إلى ما جاء فيها وإنما قصدت بايرادها أن يكون الكتاب جامعا لكل ما يحتاج إليه طالب العلم وبالله التوفيق * باب (آداب الفتوى والمفتى والمستفتي) اعلم أن هذا الباب مهم جدا فأحببت تقديمه لعموم الحاجة إليه وقد صنف في هذا جماعة من أصحابنا منهم أبو القاسم الصيمري شيخ صاحب الحاوي ثم الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي ثم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وكل منهم ذكر نفايس لم يذكرها الآخران: وقد طالعت كتب الثلاثة ولخصت منها جملة مختصرة مستوعبة لكل ما ذكروه من المهم وضممت إليها نفائس من متفرقات كلام الأصحاب وبالله التوفيق * اعلم أن الافتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لان المفتى وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ ولهذا قالوا المفتى موقع عن الله تعالى: وروينا عن ابن المنكدر قال العالم بين الله تعالى وخلقه فينظر كيف يدخل بينهم. وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة: معروفة نذكر منها أحرفا تبركا: وروينا عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول. وفي رواية ما منهم من يحدث بحديث الا ودان أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شئ الا ودان أخاه كفاه الفتيا.
وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم من أفتى عن كل ما يسئل فهو مجنون. وعن الشعبي والحسن وأبي حصين بفتح الحاء التابعين قالوا إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أن أهل بدر: وعن عطاء بن السائب التابعي أدركت أقواما يسئل أحدهم عن الشئ فيتكلم وهو يرعد: وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان إذا أغفل العالم لا أدرى أصيبت مقاتله.
وعن سفيان بن عيينة وسحنون أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما. وعن الشافعي وقد سئل عن مسألة فلم يجب فقيل له فقال حتى أدري ان الفضل في السكوت أو في الجواب. وعن الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول لا أدري وذلك فيما عرف الأقاويل فيه. وعن الهيثم بن جميل شهدت