في بعض المسائل إذا رأى الكلام منتظما وهو خبير فطن لا يخفى عليه لدربته موضع الاسقاط والتغيير فإن لم يجده إلا في نسخة غير موثوق بها فقال أبو عمرو ينظر فان وجده موافقا لأصول المذهب وهو أهل لتخريج مثله في المذهب لو لم يجده منقولا فله أن يفتى به فان أراد حكايته عن قائله فلا يقل قال الشافعي مثلا كذا وليقل وجدت عن الشافعي كذا أو بلغني عنه ونحو هذا: وإن لم يكن أهلا لتخريج مثله لم يجز له ذلك فان سبيله النقل المحض ولم يحصل ما يجوز له ذلك وله أن يذكره لا على سبيل الفتوى مفصحا بحاله فيقول وجدته في نسخة من الكتاب الفلاني ونحوه (قلت) لا يجوز لمفت على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقل أن يكتفى بمصنف ومصنفين ونحوهما من كتب المتقدمين وأكثر المتأخرين لكثرة الاختلاف بينهم في الجزم والترجيح لان هذا المفتى المذكور إنما ينقل مذهب الشافعي ولا يحصل له وثوق بأن ما في المصنفين المذكورين ونحوهما هو مذهب الشافعي أو الراجح منه لما فيها من الاختلاف وهذا مما لا يتشكك فيه من له أدنى أنس بالمذهب بل قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشئ وهو شاذ بالنسبة إلى الراجح في المذهب ومخالف لما عليه الجمهور وربما خالف نص الشافعي أو نصوصا له وستري في هذا الشرح إن شاء الله تعالى أمثلة ذلك وأرجو ان تم هذا الكتاب أنه يستغنى به عن كل مصنف ويعلم به مذهب الشافعي علما قطعيا إن شاء الله تعالى * (الثامنة) إذا أفتى في حادثة ثم حدثت مثلها فان ذكر الفتوى الأولى ودليلها بالنسبة إلى أصل الشرع إن كان مستقلا أو إلى مذهبه إن كان منتسبا أفتى بذلك بلا نظر وان ذكرها ولم يذكر دليلها ولا طرأ ما يوجب رجوعه فقيل له أن يفتى بذلك والأصح وجوب تجديد النظر ومثله القاضي إذا حكم بالاجتهاد ثم وقعت المسألة وكذا تجديد الطلب في التيمم والاجتهاد في القبلة وفيهما الوجهان:
قال القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر باب استقبال القبلة وكذا العامي إذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له فليلزمه السؤال ثانيا يعنى على الأصح قال إلا أن تكون مسألة يكثر وقوعها ويشق عليه إعادة السؤال عنها فلا يلزمه ذلك ويكفيه السؤال الأول للمشقة * (التاسعة) ينبغي أن لا يقتصر في فتواه على قوله في المسألة خلاف أو قولان أو وجهان أو روايتان أو يرجع إلى رأى القاضي ونحو ذلك فهذا ليس بجواب ومقصود المستفتى بيان ما يعمل به فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح فإن لم يعرفه توقف حتى يظهر أو يترك الافتاء كما كان جماعة من كبار أصحابنا يمتنعون من الافتاء في حنث الناسي * فصل في آداب الفتوى فيه مسائل إحداها يلزم المفتى أن يبين الجواب بيانا يزيل الاشكال ثم له الاقتصار على الجواب شفاها فإن لم يعرف لسان المستفتى كفاه ترجمة ثقة واحد لأنه خبر وله الجواب كتابة وإن كانت الكتابة على خطر وكان القاضي أبو حامد كثير الهرب من الفتوى في الرقاع: قال الصيمري وليس من الأدب كون السؤال