حدا فلو كان كما زعم هذا القائل لكان التقييد بذلك باطلا فان ما دون القلتين يساوى القلتين في هذا:
والثاني أن الحمل ضربان حمل جسم وحمل معنى فإذا قيل في حمل الجسم فلان لا يحمل الخشبة مثلا فمعناه لا يطيق ذلك لثقله وإذا قيل في حمل المعنى فلان لا يحمل الضيم فمعناه لا يقبله ولا يلتزمه ولا يصبر عليه قال الله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) معناه لم يقبلوا أحكامها ولم يلتزموها: والماء من هذا الضرب لا يتشكك في هذا من له أدني فهم ومعرفة والله أعلم * واحتج أصحابنا من جهة الاعتبار والاستدلال بأشياء أحدها وهو العمدة على ما قاله الشيخ أبو حامد أن الأصول مبنية على أن النجاسة إذا صعبت ازالتها وشق الاحتراز منها عفى عنها كدم البراغيث وموضع النجو وسلس البول والاستحاضة وإذا لم يشق الاحتراز لم يعف كغير الدم من النجاسات: ومعلوم ان قليل الماء لا يشق حفظه فكثيره يشق فعفى عما شق دون غيره وضبط الشرع حد القلة بقلتين فتعين اعتماده ولا يجوز لمن بلغه الحديث العدول عنه: قال أصحابنا ولهذا ينجس المائع وان كثر بملاقاة النجاسة لأنه لا مشقة في حفظه والعادة جارية به وذكروا دلائل كثيرة وفيما ذكرناه كفاية: والجواب عما احتجوا به من حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من وجهين أحدهما أنه عام مخصوص بحديث القلتين: والثاني وهو الا ظهر أنه نهى تنزيه فيكره كراهة شديدة ولا يحرم: وسبب الكراهة الاستقذار لا النجاسة ولأنه يؤدى إلى كثرة البول وتغير الماء به: وأما قولهم إن زنجيا مات في زمزم فنزحها ابن عباس فجوابه من ثلاثة أوجه أجاب بها الشافعي ثم الأصحاب أحسنها أن هذا الذي زعموه باطل لا أصل له: قال الشافعي لقيت جماعة من شيوخ مكة فسألتهم عن هذا فقالوا ما سمعنا هذا:
وروى البيهقي وغيره عن سفيان بن عيينة إمام أهل مكة قال أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر أحدا لا صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي يقولونه وما سمعت أحدا يقول نزحت زمزم:
فهذا سفيان كبير أهل مكة قد لقى خلائق من أصحاب ابن عباس وسمعهم فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذه القضية التي من شأنها إذا وقعت أن تشيع في الناس لا سيما أهل مكة لا سيما أصحاب ابن