العالمين والأعلم من الورعين فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قلد الأعلم على الأصح: وفي جواز تقليد الميت وجهان الصحيح جوازه لان المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولهذا يعتد بها بعدهم في الاجماع والخلاف ولان موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه والثاني لا يجوز لفوات أهليته كالفاسق وهذا ضعيف لا سيما في هذه الأعصار * (الثالثة) هل يجوز للعامي ان يتخير ويقلد أي مذهب شاء قال الشيخ ينظر إن كان منتسبا إلى مذهب بنيناه على وجهين حكاهما القاضي حسين في أن العامي هل له مذهب أم لا أحدهما لا مذهب له لان المذهب لعارف الأدلة فعلى هذا له ان يستفتى من شاء من حنفي وشافعي غيرهما:
والثاني وهو الأصح عند القفال له مذهب فلا يجوز له مخالفته وقد ذكرنا في المفتى المنتسب ما يجوز له ان يخالف أمامه فيه وإن لم يكن منتسبا بنى على وجهين حكاهما ابن برهان في أن العامي هل يلزمه ان يتذهب بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه أحدهما لا يلزمه كما لم يلزمه في العصر الأول ان يخص بتقليده عالما بعينه: فعلى هذا هل له ان يستفتى من شاء أم يجب عليه البحث عن أشد المذاهب وأصحها أصلا ليقلد أهله فيه وجهان مذكور ان كالوجهين السابقين في البحث عن الأعلم والأوثق من المفتيين والثاني يلزمه وبه قطع أبو الحسن الكيا وهو جار في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم: ووجهه انه لو جاز اتباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز وذلك يؤدى إلى انحلال ربقة التكليف بخلاف العصر الأول فإنه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث مهذبة وعرفت:
فعلى هذا يلزمه ان يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين ونحن نمهد له طريقا يسلكه في اجتهاده سهلا فنقول أولا ليس له ان يتبع في ذلك مجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه آباءه وليس له التذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من الأولين وإن كانوا أعلم وأعلا درجة ممن بعدهم لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناحلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها الناهضين بايضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما: ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤلاء الأئمة في العصر ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم فسبرها وخبرها وانتقدها واختار أرجحها ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح مع كمال معرفته وبراعته في العلوم وترجحه في ذلك على من سبقه ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد وهذا مع ما فيه من الانصاف والسلامة من القدح في أحد من الأئمة جلى واضح إذا تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتذهب به * (الرابعة) إذا اختلف عليه فتوى مفتيين ففيه خمسة أوجه للأصحاب: أحدها يأخذ أغلظهما.
والثاني وأخفهما. والثالث يجتهد في الأولي فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع كما سبق ايضاحه واختاره