قال الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمراءي (1) يثبت على حالة واحدة أربعين سنة: (قلت) معناه أن الصادق يدور مع الحق حيث دار فإذا كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلا صلى وإذا كان في مجالسة العلماء والصالحين والضيفان والعيال وقضاء حاجة مسلم وجبر قلب مكسور ونحو ذلك فعل ذلك الأفضل وترك عادته: وكذلك الصوم والقراءة والذكر والأكل والشرب والجد والمزح والاختلاط والاعتزال والتنعم والابتذال ونحوها فحيث رأى الفضيلة الشرعية في شئ من هذا فعله ولا يرتبط بعادة ولا بعبادة مخصوصة كما يفعله المرائي وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال في صلاته وصيامه وأوراده وأكله وشربه ولبسه وركوبه ومعاشرة أهله وجده ومزحه وسروره وغضبه واغلاظه في إنكار المنكر ورفقه فيه وعقوبته مستحقي التعزيز وصفحه عنهم وغير ذلك بحسب الامكان والأفضل في ذلك الوقت والحال: ولا شك في اختلاف أحوال الشئ في الا فضيلة فان الصوم حرام يوم العيد واجب قبله مسنون بعده والصلاة محبوبة في معظم الأوقات وتكره في أوقات وأحوال كمدافعة الأخبثين: وقراءة القرآن محبوبة وتكره في الركوع والسجود وغير ذلك: وكذلك تحسين اللباس يوم الجمعة والعيد وخلافه يوم الاستسقاء وكذلك ما أشبه هذه الأمثلة. وهذه نبذة يسيرة ترشد الموفق إلى السداد وتحمله على الاستقامة وسلوك طريق الرشاد * باب (في فضيلة الاشتغال بالعلم وتصنيفه وتعلمه وتعليمه والحث عليه والارشاد إلى طرقه) قد تكاثرت الآيات والاخبار والآثار وتواترت. وتطابقت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه. وأنا اذكر طرفا من ذلك تنبيها على ما هنالك. قال الله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). وقال تعالى (وقل رب زدني علما). وقال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وقال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). والآيات كثيرة معلومة. وروينا عن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت كلا فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " رواه البخاري ومسلم (2). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا حسد الا في اثنين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله الحكمة