فصل في مولد الشافعي رضي الله عنه ووفاته وذكر نبذ من أموره وحالاته وأجمعوا انه ولد سنة خمسين ومائة وهي السنة التي توفى فيها أبو حنيفة رحمه الله. وقيل إنه توفي في اليوم الذي ولد فيه الشافعي ولم يثبت التقييد باليوم ثم المشهور الذي عليه الجمهور ان الشافعي ولد بغزة وقيل بعسقلان وهما من الأراضي المقدسة التي بارك الله فيها فإنهما على نحو مرحلتين من بيت المقدس ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين وتوفى بمصر سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة قال الربيع توفى الشافعي رحمه الله ليلة الجمعة بعد المغرب وانا عنده ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين وقبره رضي الله عنه بمصر عليه من الجلالة وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الامام. قال الربيع رأيت في المنام ان آدم صلى الله عليه وسلم مات فسألت عن ذلك فقيل هذا موت أعلم أهل الأرض لان الله تعالى علم آدم الأسماء كلها فما كان الا يسيرا فمات الشافعي ورأي غيره ليلة مات الشافعي قائلا يقول الليلة مات النبي صلى الله عليه وسلم: نشأ يتيما في حجر أمه في قلة من العيش وضيق حال وكان في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده في العظام ونحوها حتى ملا منها خبايا: وعن مصعب بن عبد الله الزبيري قال كان الشافعي رحمه الله في ابتدأ أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب ثم اخذ في الفقه بعد: قال وكان سبب اخذه في العلم أنه كان يوما يسير على دابة له وخلفة كاتب لأبي فتمثل الشافعي ببيت شعر فقرعه كاتب أبي بسوطه ثم قال له مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا أين أنت من الفقه فهزه ذلك فقصد مجالسة الزنجي مسلم ابن خالد وكان مفتى مكة ثم قدم علينا فلزم مالك بن انس: وعن الشافعي رحمه الله قال كنت انظر في الشعر فارتقيت عقبة بمنى فإذا صوت من خلفي عليك بالفقه: وعن الحميدي قال قال الشافعي خرجت أطلب النحو والأدب فلقيني مسلم بن خالد الزنجي فقال يا فتى من أين أنت قلت من أهل مكة قال أين منزلك قلت شعب بالخيف قال من أي قبيلة أنت قلت من عبد مناف قال بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة الا جعلت فهمك في هذا الفقه فكان أحسن بك: ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصدا الاخذ عن أبي عبد الله مالك بن انس رحمه الله: وفي رحلته مصنف مشهور مسموع فلما قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظا فأعجبته قراءته ولازمه وقال له مالك اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن: وفي رواية أخرى أنه قال له انه الله عز وجل قد القى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعاصي: وكان للشافعي رحمه الله حين اتى مالكا ثلاث عشرة سنة ثم ولى باليمين: واشتهر من حسن سيرته وحمله الناس على السنة والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة. ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن وغيره ونشر علم الحديث ومذهب أهله ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنف كتابا في أصول الفقه فصنف كتاب الرسالة وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه: وكان عبد الرحمن ويحيي بن سعيد
(٨)