الأحد آخر رجب سنة تسع وستين وأربع مائة توفى رحمه الله ببغداد يوم الأحد: وقيل ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وقيل الأولى سنة ست وسبعين وأربع مائة ودفن من الغد واجتمع في الصلاة عليه خلق عظيم: قيل وأول من صلى عليه أمير المؤمنين المقتدى بأمر الله: ورؤي في النوم وعليه ثياب بيض فقيل له ما هذا فقال عز العلم فهذه أحرف يسيرة من بعض صفاته أشرت بها إلى ما سواها من جميل حالاته وقد بسطتها في تهذيب الأسماء واللغات وفي كتاب طبقات الفقهاء فرحمه الله ورضى عنه وأرضاه وجمع بيني وبينه وسائر أصحابنا في دار كرامته * وقد رأيت أن أقدم في أول الكتاب فصولا: تكون لمحصله وغيره من طالبي جميع العلوم وغيرها من وجوه الخير ذخرا وأصولا: وأحرص مع الايضاح على اختصارها وحذف الأدلة والشواهد في معظمها خوفا من انتشارها مستعينا بالله متوكلا عليه مفوضا أمري إليه فصل (في الاخلاص والصدق واحضار النية في جميع الاعمال البارزة والخفية) قال الله تعالى (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقال تعالى (فاعبد الله مخلصا) وقال تعالى (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " حديث صحيح متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو إحدى قواعد الايمان وأول دعائمه وآكد الأركان * قال الشافعي رحمه الله يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه: وقال أيضا هو ثلث العلم: وكذا قاله أيضا غيره وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الاسلام. وقد اختلف في عدها فقيل ثلاثة وقيل أربعة وقيل اثنان وقيل حديث: وقد جمعتها كلها في جزء الأربعين فبلغت أربعين حديثا لا يستغنى متدين عن معرفتها لأنها كلها صحيحة جامعة قواعد الاسلام في الأصول والفروع والزهد والآداب ومكارم الأخلاق وغير ذلك وإنما بدأت بهذا الحديث تأسيا بأئمتنا ومتقدمي أسلافنا من العلماء رضي الله عنهم وقد ابتدأ به أمام أهل الحديث بلا مدافعة أبو عبد الله البخاري صحيحه ونقل جماعة ان السلف كانوا يستحبون افتتاح الكتب بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية وإرادته وجه الله تعالى بجميع أعماله البارزة والخفية: وروينا عن الامام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث: وروينا عنه أيضا قال من راد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث: وقال الإمام أبو سليمان أحمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي الشافعي الامام في علوم رحمه الله تعالى كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنيات امام كل شئ ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها
(١٦)