لفظهما: وقولهما أحد أوصافه صريح فيما ذكرته فالصواب أن لا فرق بين الأوصاف: وقوله كما لو تغير بجيفة بقربه يعنى جيفة ملقاة خارج الماء قريبة منه وفي هذه الصورة لا تضر الجيفة قطعا بل الماء طهور بلا خلاف: وأما قوله وان وقع فيه قليل كافور فتغيرت به رائحته فوجهان فقد اضطرب المتأخرون في تصويرها وممن نقحها أبو عمرو بن الصلاح فقال من فسر الكافور هنا بالصلب فقد أخطأ لأنه لا يبقي لقوله قليل فائدة ولا معنى ولأنه حينئذ تكون هي المسألة الأولي بعينها:
والصواب أن صورته أن يكون رخوا لكنه قليل بحيث لا يظهر في أقطار الماء لقلته بل يستهلك في موضع وقوعه: فإذا تغيرت رائحة الجميع علم أنه تغير بالمجاورة فيجئ فيه وجهان مخرجان من المسألة السابقة مسألة القولين * فان قيل فالمغير لم يجاور الجميع فكيف يقال تغير الجميع بالمجاورة قلنا لا تعتبر في المغير بمجاوره مجاورته لجميع أجزاء الماء فان ذلك هو الخالط بل يكفي مجاورة بعضه كما في الدهن والعود وهذا هو الفرق بين المخالط والمجاور هذا كلام أبي عمرو: وكذا ذكر صاحب البيان في كتابيه البيان ومشكلات المهذب أن المراد ما يختلط اجزاؤه باليسير من أجزاء الماء ثم يتغير به رائحة جميع الماء وقد صرح بهذا الفوراني فقال في الإبانة اليسير من الكافور الذي يختلط بالماء ويذوب فيه بحيث لا يصل جميع اجزاء الماء إذا وقع في الماء وتروح به فيه وجهان هذا ما يتعلق بتحقيق صورة الكتاب: وقال الماوردي للكافور ثلاثة أحوال: حال يعلم انحلاله في الماء فيسلب لأنه مخالط:
وحال يعلم أنه لم ينحل فلا يسلب لأنه مجاور: وحال يشك فان تغير بطعم أو لون يسلب وان تغير برائحة فوجهان هذا كلام الماوردي: وقوله في الحال الأول ينبغي ان يحمل على كافور كثير ليوافق ما سبق والله أعلم (فرع) هذا أول موضع ذكر فيه البويطي والمزني وهما أجل أصحاب الشافعي رحمهم الله فأما البويطي بضم الباء فمنسوب إلى بويط قرية من صعيد مصر الأدنى: وهو أبو يعقوب يوسف ابن يحيى أكبر أصحاب الشافعي المصريين وخليفته في حلقته بعد وفاته: أوصي الشافعي أن يجلس في حلقته البويطي وقال ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابي أعلم منه: ودام في حلقة الشافعي إلى أن جرت فتنة القول بخلق القرآن فحملوه إلى بغداد مقيدا ليقول بخلقه فأبي وصبر محتسبا لله تعالى وحسبوه ودام في الحبس إلى أن توفى