مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري. وعن مالك أيضا انه ربما كان يسئل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها وكأن يقول من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب ان يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب: وسئل عن مسألة فقال لا أدري فقيل هي مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال ليس في العلم شئ خفيف. وقال الشافعي ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة اسكت منه عن الفتيا: وقال أبو حنيفة لولا الفرق من الله تعالى ان يضيع العلم ما أفتيت يكون لهم المهنأ وعلى الوزر وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة قال الصيمري والخطيب قل من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها الأقل توفيقه واضطرب في أموره وإن كان كارها لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة وأحال الامر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في جوابه أغلب واستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا تسأل الامارة فإنك ان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وان أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها (1) فصل قال الخطيب ينبغي للامام ان يتصفح أحوال المفتين فمن صلح للفتيا أقره ومن لا يصلح منعه ونهاه ان يعود وتواعده بالعقوبة ان عاد وطريق الامام إلى معرفة من يصلح للفتوى (2) ان يسأل علماء وقته ويعتمد اخبار الموثوق بهم. ثم روى بإسناده عن مالك رحمه الله قال أفتيت حتى شهد لي سبعون أنى أهل لذلك. وفي رواية ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منى هل يراني موضعا لذلك قال مالك ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه * فصل قالوا وينبغي أن يكون المفتى ظاهر الورع مشورا بالديانة الظاهرة والصيانة الباهرة وكان مالك رحمه الله يعمل بما لا يلزمه الناس ويقول لا يكون عالما حتى يعمل في خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأتم وكان يحكى نحوه عن شيخه ربيعة * فصل شرط المفتى كونه مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط متيقظا سواء فيه الحر والعبد والمرأة والأعمى والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته: قال الشيخ أبو عمر وبن الصلاح وينبغي أن يكون كالراوي في أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر لان المفتى في حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوي لا كالشاهد وفتواه لا يرتبط بها إلزام بخلاف حكم القاضي: قال وذكر
(٤١)