فأصغى لها الاناء فشربت فتعجب منه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها ليست بنجس انها من الطوافين عليكم أو الطوافات حديث صحيح رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن صحيح: وفيه دلالة ظاهرة أن النجاسة إذا وردت على الماء نجسته: واحتجوا بغير ذلك من الأحاديث ومن حيث الاستدلال ما سبق مع أبي حنيفة في أن النجاسة التي يشق الاحتراز منها يعفى عنها وما لا فلا وهذا يقتضى الفرق بين القليل والكثير وضبط الشرع بقلتين: قال امام الحرمين ولأنه لا يشك منصف أن السلف لو رأوا رطل ماء أصابه قطرات بول أو خمر لم يجيزوا الوضوء به: وأما الجواب عن الحديث الذي احتجوا به فهو أنه محمول على قلتين فأكثر فإنه عام وخبرنا خاص فوجب تقديمه جمعا بين الحديثين: والجواب عن قياسهم على ما إذا ورد الماء على النجاسة من وجهين أحدهما من حيث النص وهو أنه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وذلك في حديثين أحدهما حديث إذا استيقظ أحدكم فمنع صلى الله عليه وسلم من ايراد اليد على الماء وأمر بايراده عليها ففرق بينهما: والثاني أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب لورود النجاسة وأمر بايراد الماء على الاناء: فان قالوا الكلب طاهر عندنا قلنا سنوضح الدلائل على نجاسته في بابه إن شاء الله تعالى: والجواب الثاني من حيث المعنى وهو انا إذا نجسنا دون القلتين بورود النجاسة لم يشق لامكان الاحتراز منها ولو نجسنا دون القلتين بوروده على نجاسة لشق وأدى إلى أن لا يطهر شئ حتى يغمس في قلتين وفي ذلك أشد الحرج فسقط والله أعلم * واعلم أنه حصل في هذه المسألة جملة من الأحاديث ذكرناها وبجميعها يقول الشافعي رحمه الله على حسب ما سبق ولم يرد منها شيئا وهذه عادته رحمه الله في تمسكه بالسنة وجمعه بين أطرافها ورده بعضها إلى بعض على أحسن الوجوه وستري إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب في نظائر هذه من مسائل الخلاف وغيرها من ذلك ما تقربه عينك وتزداد اعتقادا في الشافعي ومذهبه فليس الخبر الجملي كالعيان التفصيلي وبالله التوفيق (فرع) نقل أصحابنا عن داود بن علي
(١١٨)