بالعمل بالحديث الصحيح وترك قوله المخالف للنص الثابت الصريح وقد امتثل أصحابنا رحمهم الله وصيته وعملوا بها في مسائل كثيرة مشهورة كمسألة التثويب في الصبح ومسألة اشتراط التحلل في الحج بعذر وغير ذلك وستراها في مواضعها إن شاء الله تعالى * ومن ذلك تمسكه بالأحاديث الصحيحة: واعراضه عن الاخبار الواهية الضعيفة: ولا نعلم أحدا من الفقهاء اعتنى في الاحتجاج بالتمييز بين الصحيح والضعيف كاعتنائه ولا قريبا منه فرضي الله عنه * ومن ذلك أخذه رضي الله عنه بالاحتياط في مسائل العبادات وغيرها كما هو معروف من مذهبه. ومن ذلك شدة اجتهاده في العبادة وسلوك طرائق الورع والسخاء والزهادة * وهذا من خلقه وسيرته مشهور معروف: ولا يتمارى فيه الا جاهل أو ظالم عسوف: فكان رضي الله عنه بالمحل الأعلى من متانة الدين وهو من المقطوع بمعرفته عند الموافقين والمخالفين وليس يصح في الأذهان شئ * إذا احتاج النهار إلى دليل وأما سخاؤه وشجاعته وكمال عقله وبراعته فإنه مما اشترك الخواص والعوام في معرفته فلهذا لا أستدل له لشهرته وكل هذا مشهور في كتب المناقب من طرق * ومن ذلك ما جاء في الحديث المشهور " أن عالم قريش يملا طباق الأرض علما " وحمله العلماء من المتقدمين وغيرهم من غير أصحابنا على الشافعي رحمه الله واستدلوا له بأن الأئمة من الصحابة رضي الله عنهم الذين هم اعلام الدين لم ينقل عن كل واحد منهم الا مسائل معدودة إذ كانت فتاواهم مقصورة على الوقائع بل كانوا ينهون عن السؤال عن ما لم يقع وكانت هممهم مصروفة إلى قتال (1) الكفار لاعلاء كلمة الاسلام والى مجاهدة النفوس والعبادة فلم يتفرغوا للتصنيف * وأما من جاء بعدهم وصنف من الأئمة فلم يكن فيهم قريش قبل الشافعي ولم يتصف بهذه الصفة أحد قبله ولا بعده: وقد قال الإمام أبو زكريا يحيي بن زكريا الساجي في كتابه المشهور في الخلاف إنما بدأت بالشافعي قبل جميع الفقهاء وقدمته عليهم وإن كان فيهم أقدم منه اتباعه للسنة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قدموا قريشا وتعلموا من قريش " وقال الإمام أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الاستراباذي (2) صاحب الربيع بن سليمان المرادي في هذا الحديث علامة بينة إذا تأمله الناظر المميز علم أن المراد به رجل من علماء هذه الأمة من قريش ظهر علمه وانتشر في البلاد وكتب كما تكتب المصاحف ودرسه المشايخ والشبان في مجالسهم واستظهروا أقاويله وأجروها في مجالس الحكام والأمراء والقراء وأهل الآثار وغيرهم قال وهذه صفة لا نعلم أنها أحاطت بأحد إلا بالشافعي فهو عالم قريش الذي دون العلم وشرح الأصول والفروع ومهد القواعد: قال البيهقي بعد رواية كلام أبي نعيم والى هذا ذهب أحمد بن حنبل في تأويل الخبر: ومن ذلك مصنفات الشافعي في الأصول والفروع التي لم يسبق إليها كثرة وحسنا فان مصنفاته كثيرة مشهورة كالأم في نحو عشرين مجلدا وهو مشهور وجامع المزني الكبير وجامعه الصغير ومختصريه الكبير والصغير. ومختصر البويطي والربيع وكتاب حرملة وكتاب الحجة وهو القديم والرسالة القديمة والرسالة الجديدة والأمالي والاملاء وغير ذلك مما هو معلوم من كتبه: وقد جمعها البيهقي في المناقب: قال القاضي الإمام أبو محمد الحسين
(١١)