قال وكان زاهدا ورعا متواضعا متخلقا ظريفا كريما سخيا جوادا طلق الوجه دائم البشر: حسن المجالسة مليح المحاورة وكان يحكي الحكايات والاشعار المستبدعة المليحة وكان يحفظ منها كثيرا وكان يضرب به المثل في الفصاحة: وقال السمعاني أيضا تفرد الإمام أبو إسحاق بالعلم الوافر كالبحر الزاخر مع السيرة الجميلة والطريقة المرضية جاءته الدنيا فأباها وأطرحها وقلاها قال وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلاميذه وأصحابه صنف في الأصول والفروع والخلاف والجدل والمذهب كتبا أضحت للدين أنجما وشهبا: وكان يكثر مباسطة أصحابه بما سنح له من الرجز وكان يكرمهم ويطعمهم:
حكي السمعاني انه كان يشتري طعاما كثيرا ويدخل بعض المساجد ويأكل مع أصحابه وما فضل قال لهم اتركوه لمن يرغب فيه: وكان رحمه الله طارحا للتكلف قال القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري حملت فتوى إلى الشيخ أبي إسحاق فرأيته في الطريق فمضى إلى دكان خباز أو بقال وأخذ قلمه ودواته وكتب جوابه ومسح القلم في ثوبه: وكان رحمه الله ذا نصيب وافر من مراقبة الله تعالى والاخلاص له وإرادة إظهار الحق ونصح الخلق: قال أبو الوفاء ابن عقيل شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئا إلى فقير الا أحضر النية ولا يتكلم في مسألة الا قدم الاستعانة بالله عز وجل وأخلص القصد في نصرة الحق: ولا صنف مسألة الا بعد أن صلى ركعات فلا جرم شاع اسمه وانتشرت تصانيفه شرقا وغربا لبركة اخلاصه * قلت وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في أول كتابه الملخص في الجدل جملا من الآداب للمناظرة واخلاص النية وتقديم ذلك بين يدي شروعه فيها وكان فيما نعتقده متصفا بكل ذلك: أنشد السمعاني وغيره للرئيس أبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن الجراح * سقيا لمن صنف التنبيه مختصرا * ألفاظه الغر واستقصى معانيه ان الامام أبا إسحاق صنفه * لله والدين لا للكبر والنيه رأى علوما عن الافهام شاردة * فحازها ابن علي كلها فيه بقيت للشرع إبراهيم منتصرا * تذود عنه أعاديه وتحميه قوله مختصرا بكسر الصاد وألفاظه منصوب به ولأبي الخطاب أيضا:
أضحت بفضل أبي إسحاق ناطقة * صحائف شهدت بالعلم والورع بها المعاني كسلك العقد كامنة * واللفظ كالدر سهل جد ممتنع رأى العلوم وكانت قبل شاردة * فحازها الألمعي الندب في اللمع لا زال علمك ممدودا سرادقه * على الشريعة منصورا على البدع ولأبي الحسن القيرواني:
إن شئت شرع رسول الله مجتهدا * تفتى وتعلم حقا كل ما شرعا فاقصد هديت أبا إسحاق مغتنما * وادرس تصانيفه ثم احفظ اللمعا ونقل عنه رحمه الله قال بدأت في تصنيف المهذب سنة خمس وخمسين وأربع مائة وفرغت يوم