قلتين وراية الشك شاذة غريبة فهي متروكة فوجودها كعدمها: وأما قولهم لا نعلم قدر القلتين فالمراد قلال هجر كما رواه ابن جريج وقلال هجر كانت معروفة عندهم مشهورة يدل عليه حديث أبي ذر في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن ليلة الاسراء فقال رفعت لي السدرة المنتهى فإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر فعلم بهذا أن القلال معلومة عندهم مشهورة وكيف يظن أنه صلى الله عليه وسلم يجدد لهم أو يمثل بما لا يعلمونه ولا يهتدون إليه: فان قالوا روى أربعين قلة وروى أربعين غربا وهذا يخالف حديث القلتين: فالجواب أن هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقل أربعين قلة عن عبد الله بن عمرو بن العاصر وأربعين غربا أي هريرة كما سبق: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على غيره فهذا ما نعتمده في الجواب: وأجاب أصحابنا أيضا بأنه ليس مخالفا بل يحمل على أن تلك الأربعين صغار تبلغ قلتين بقلال هجر فقط: فان قالوا يحمل على الجاري: فالجواب أن الحديث عام يتناول الجاري والراكد فلا يصح تخصيصه بلا دليل ولان توقيته بقلتين يمنع حمله على الجاري عندهم: فان قالوا لا يصح التمسك به لأنه متروك بالاجماع في المتغير بنجاسة: فالجواب انه عام خص في بعضه فبقي الباقي على عمومه كما هو المختار في الأصول: فان قالوا قد روى ابن علية هذا الحديث موقوفا على ابن عمر: فالجواب أنه صح موصولا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق الثقات فلا يضر تفرد واحد لم يحفظ توقفه: وقد روى البيهقي وغيره بالاسناد الصحيح عن يحيى بن معين إمام هذا الشأن أنه سئل عن هذا الحديث فقال جيد الاسناد قيل له فان ابن علية لم يرفعه قال يحيي وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الاسناد فان قالوا إنما لم يحمل خبثا لضعفه عنه وهذا يدل على نجاسته: فالجواب ما قال أصحابنا وأهل الحديث وغيرهم أن هذا جهل بمعاني الكلام وبطرق الحديث أما جهل قائلة بطرق الحديث ففي رواية صحيحة لا بي داود إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس وقد سبق بيانها فإذا ثبتت هذه الرواية تعين حمل الأخرى عليها وأن معنى لم يحمل خبثا لم ينجس: وقد قال العلماء أحسن تفسير غريب الحديث أن يفسر بما جاء في رواية أخرى لذلك الحديث * وأما جهله بمعاني الكلام فبيانه من وجهين أحدهما انه صلى الله عليه وسلم جعل القلتين
(١١٥)