وذلك لأن فيها عند تساوى الحقوق والمصالح ووقوع التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الإقدار وقضاء الملك الجبار، وهذا التعليل ظاهر في ان الشهيد فهم من قوله: «كل مجهول ففيه القرعة» اختصاصه بباب تساوى الحقوق وتزاحمها ووقوع النزاع، وعليه يحمل ما نقل عن طريق العامة: «القرعة لكل امر مشتبه أو مشكل» كما نقل عن ابن إدريس في باب سماع البينات انه قال: وكل امر مشكل يشتبه فيه الحكم فينبغي ان تستعمل فيه القرعة لما روى عن الأئمة عليهم السلام وتواترت به الآثار وأجمعت عليه الشيعة الإمامية، ضرورة ان الروايات المتواترة انما هي في الموارد المتقدمة وكذا إجماع الشيعة في مثلها لا في مطلق المشتبه وهذا واضح جدا.
وبالجملة المتتبع لكلمات الأصحاب يرى إسرائهم الحكم من الموارد المنصوصة التي عددناها في الأمر الأول إلى غيرها مما هو من قبيلها أي في موارد تزاحم الحقوق والتداعي والتنازع والحال ان فقيها منهم ممن هو معتبر فتواه لا يرى الإفتاء في سائر المشتبهات والمجهولات بالقرعة وليس ذلك الا من جهة ما ذكرنا لا لاحتفاف الاخبار بقرائن وقيود لم تنقل إلينا فإنه بعيد جدا، بل مقطوع البطلان، فان الرواية العامة التي تكون أعم من سائر الروايات من طرقنا هي رواية محمد بن حكيم وهي كانت عند الصدوق والشيخ من متقدمي أصحابنا بهذه الألفاظ من غير زيادة ونقيصة وانهم لم يفهموا منها الا ما ذكرنا كما أشرنا إليه، وما ذكر من قضية التخصيص الكثير انما هو امر أحدثه بعض متأخري المتأخرين وتبعه غيره وما رأينا في كلام القدماء من أصحابنا له عينا ولا أثرا، والمظنون انه حصل من الاغترار بظاهر رواية محمد بن حكيم والروايتين من طرق العامة فأخذ اللاحق من السابق حتى انجر الأمر إلى ذلك واشتهر بين المتأخرين ولو لا مخافة التطويل الممل لسردت عبارات القوم في الموارد المفتي بها من غير نص خاص حتى يتضح لك الأمر، فراجع أبواب التنازع في الكتب، وموارد فرض الاشتباه والتشاح في كتاب النكاح، والطلاق، والتجارة واللقطة، والقضاء، والإجارة، والصلح والوصية، والميراث، والعتق، والصيد والذباحة، والإقرار، والغصب وإحياء الموات والشفعة، وغيرها مما لا نص فيها ترى ان الفقهاء عملوا فيها بالقرعة.