المتشاغل بالكلام كالخطيب والواعظ قد تعرض له الدواعي المختلفة في كلامه مع انه ما دام متشاغلا به يكون وحدة كلامه محفوظة عرفا فوحدة الكلام وعدمها لا تتقومان بوحدة الداعي وعدمها لا طردا ولا عكسا كما يظهر بالتأمل في موارده.
فما أفاده بعض أعاظم العصر من انه إذا شك في بقاء الزماني لأجل احتمال قيام مبدأ آخر يقتضى وجوده فالأقوى عدم الجريان لرجوعه إلى الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي فان وحدة الكلام عرفا انما تكون بوحدة الداعي، ليس على إطلاقه بصحيح لأن الميزان في وحدة الكلام هو نفس شخصيته ووجوده، لا الدواعي الموجبة لإيجاده، واما القسم الثالث وهو ما يكون الزمان قيدا لأمر مستقر فجريان الاستصحاب فيه كجريانه في نفس الزمان إشكالا وجوابا.
ولا يخفى ان مناط الإشكال في الأقسام الثلاثة واحد، وهو ان التقضي والتصرم في المستصحب هل يوجب عدم جريانه أم لا؟ فكما إذا شك في بقاء النهار يكون استصحاب النهار موردا للبحث كذلك إذا قيد الجلوس بالنهار يكون محل البحث ما إذا شك في بقاء النهار، وان الجلوس المتقيد بأمر متصرم هل يجري الاستصحاب فيه أم لا؟ واما استصحاب نفس وجوب الجلوس بعد مضي النهار فليس موردا للبحث هاهنا ومناط الإشكال فيه ليس مناطه في الزمان والزمانيات حتى يقال: ان الزمان إذا أخذ قيدا لا يجري الاستصحاب بعده وإذا أخذ ظرفا يجري بعده، لأن ذلك خروج عن محط البحث ومورد النقض والإبرام.
وهذا خلط واقع من الشيخ الأعظم وتبعه غيره في شبهة النراقي ومما ذكرنا يعلم ان ذكر كلام الفاضل النراقي رحمه الله في ذيل هذا المبحث غير مناسب، لأن اشكاله انما هو معارضة استصحاب الوجودي بالعدمي في الأحكام بعد مضي الزمان الذي أخذ ظرفا للواجب أو الوجوب وليست شبهة مربوطة بالشبهة التي في الزمان والزمانيات وكيف كان فمحصل اشكاله ان استصحاب الوجود دائما معارض باستصحاب العدم الأزلي في الأحكام، تكليفية كانت أو وضعية، فاستصحاب وجوب