الاستصحاب ليس من الأدلة الأربعة الأمر الثاني ان الاستصحاب بناء على ما عرفناه ليس من الأدلة الأربعة إذا أخذت حجيته من الاخبار لأن الأدلة الأربعة أي الكتاب والسنة والإجماع والعقل هي الأدلة التي أقيمت منها على الحكم الفرعي لا الأعم منها ومما أقيمت على الحكم الأصلي أي المسألة الأصولية، مثلا إذ أقام خبر الثقة على حرمة العصير العنبي ودل ظاهر الكتاب على اعتباره يكون الدليل على حرمة العصير هو خبر الثقة لا ظاهر الكتاب، وكذا لو دلت الاخبار على اعتبار خبر الثقة وقام خبر الثقة على حرمة العصير يكون الخبر القائم على حرمته من الأدلة الأربعة لا الاخبار الدالة على اعتباره.
فالاستصحاب بناء على ما ذكرنا من انه عبارة عن نفس الكون السابق الكاشف عن بقائه في اللاحق أو اليقين السابق الملحوق بالشك في البقاء أو الشك المسبوق باليقين هو الدليل أو الحجة على الحكم الفرعي الكلي، وليس هو من الأدلة الأربعة، اما الإجماع والكتاب فظاهر، واما العقل فلان المفروض انه أخذ من الاخبار، واما السنة فلان قوله: لا تنقض اليقين بالشك، دليل اعتبار الاستصحاب كدلالة آية النبأ على اعتبار خبر الثقة، فكما ان الآية دليل على الدليل ويكون الدليل على الفرع الفقهي هو خبر الثقة لا آية النبأ فكذلك الدليل في الفقه أو الحجة في الفقه هو نفس الاستصحاب، ولا تنقض اليقين بالشك دليل على اعتباره فليس الاستصحاب بناء على أخذه من الاخبار من الأدلة الأربعة بل هو دليل برأسه.
ولعل السر في ذهاب القدماء من أصحابنا إلى انحصار الأدلة في الأربعة ان العامة الذين هم الأصل في تدوين الأصول عدوا الاستصحاب من الأدلة العقلية كالقياس والاستقراء، وقدماء أصحابنا إلى زمن والد شيخنا البهائي لم يعهد تمسكهم بالأدلة النقلية في حجية الاستصحاب على ما حكى واما المتأخرون ممن قارب عصرنا أنكروا العقلية في حجية الاستصحاب على ما حكى والمتأخرون ممن قارب عصرنا أنكروا كون موضوع علم الأصول هو الأدلة بما هي أو ذاتها، وزعموا انه لو جعل الموضوع هو الأدلة، تصير مسألة حجية الخبر الواحد والاستصحاب ونحوهما من المبادي التصديقية،