الأحكام، فاستيحاش بعض أعاظم العصر رحمه الله من كون أمثال ذلك من الأحكام الوضعية في غير محله، الا ان يرجع إلى بحث لغوي وهو عدم صدق الحكم عليها وهو كما ترى، كاستيحاشه من كون الماهية المخترعة كالصلاة والصوم منها فإنها قبل تعلق الأمر بها وان لم تكن من الأحكام الوضعية لكنها لم تكن قبله من الماهيات المخترعة أيضا لعدم كونها حينئذ من المقررات الشرعية وانما تصير مخترعات شرعية بعد ما قررها الشارع في شريعته بجعلها متعلقة للأوامر و «ح» تصير كالجزئية والشرطية والمانعية للمأمور به من الأحكام الوضعية، ولا فرق بين الجزئية والكلية من كونهما امرين منتزعين عن تعلق الأمر بالطبيعة فيكون نحو تقررهما في الشريعة بكونهما منتزعين عن الأوامر المتعلقة بالطبائع المركبة، فمن جعل الجزئية للمأمور به من الأحكام الوضعية مع اعترافه بكونها انتزاعية فليجعل المأمور بهية أيضا كذلك، وكذا لا مانع من جعل الماهيات الاختراعية من الأحكام الوضعية أي من المقررات الشرعية والوضعيات الإلهية، نعم إطلاق الحكم عليها كإطلاقه على كثير من الوضعيات يحتاج إلى التأويل نعم نفس الصلاة والصوم كنفس الفاتحة والركوع والسجود مع قطع النظر عن تعلق الأمر بهما وصيرورتهما من المقررات الشرعية لا تعدان من الأحكام الوضعية ولا من الماهيات المخترعة.
فالتحقيق ان جميع المقررات الشرعية تنقسم إلى الوضع والتكليف ولا ثالث لهما، نعم صدق الحكم على بعضها أوضح من صدقه على الاخر بل في بعضها غير صادق، لكن كلامنا ليس في صدق الحكم وعدمه بل في مطلق الوضعيات، صدق عليها أولا.
في بعض موارد الخلط بين التكوين والتشريع الثاني انه كثيرا ما يقع الخلط بين الأمور التكوينية والتشريعية فيرى الغافل الحكم من التكوين إلى التشريع فمن ذلك انه لما قرع بعض الأسماع ان الأمور الانتزاعية يكون جعلها ورفعها بمناشئ انتزاعها فلا يمكن جعل الفوقية والتحتية من الجسمين الا بجعلهما بوضع خاص يكون أحدهما أقرب إلى المركز والاخر إلى المحيط فبعد ذلك ينتزع الفوقية والتحتية منهما قهرا ولا يمكن جعلهما ورفعهما استقلالا فجعل هذا الحكم