للأجساد دون الأرواح وان كانت تلك المواد صورا لمواد هي أخس منها وجودا وحكى الشيخ في الشفاء ان بعض الطبيعيين رفض مراعاة امر الصورة رفضا كليا واعتقد ان المادة هي التي يجب ان يحصل ويعرف فإذا حصلت فما بعد ذلك اعراض ولواحق غير متناهية لا تضبط ويشبه ان يكون هذه المادة التي قصر عليها هؤلاء نظرهم هي المادة المجسمة المنطبعة دون الأولى فكأنهم عن الأولى غافلون يعنى لو تفطنوا لعلموا ان الذي حصلوه وعرفوه على زعمهم وجعلوه مادة فهي بالحقيقة صوره.
قال وربما احتج بعض هؤلاء ببعض الصنايع وقايس بين الصناعة الطبيعية النفرية وبين الصناعة المهيئة فقال إن مستنبط الحديد وكده تحصيل الحديد والغواص وكده تحصيل الدر وما عليهما من صورتهما والذي يظهر لنا فساد هذا الرأي افقاده إيانا الوقوف على خصايص الأمور الطبيعية ونوعياتها التي هي صورتها ومناقضة صاحب هذا المذهب نفسه فإنه ان أقنعه الوقوف على الهيولى الغير المصورة فقد قنع من العلم بمعرفة شئ لا وجود له بل كأنه امر بالقوة ثم من أي الطريق يسلك إلى ادراكه إذ قد اعرض عن الصور والاعراض صفحا وهي التي تجر أذهاننا إلى اثباته فإن لم يقنعه الوقوف على الهيولى الغير المصورة ورام للهيولي صوره كالهوائية و المائية وغير ذلك.
فما خرج عن النظر في الصورة ثم ذكر ان مستنبط الحديد ليس الحديد بموضوع صناعته بل هو غايتها وموضوعها الأجسام المعدنية التي يكتب عليها بالحفر والتذويب وفعل ذلك هو صوره صناعته ثم تحصيل الحديد غايته وهو موضوع لصنايع أخرى وبالجملة طلب كل شئ فهو بالحقيقة طلبه بما هو صوره لا بما هو مادة.
ثم قال وقد قام بإزاء هؤلاء طائفة أخرى من الناظرين في علم الطبيعة فاستخفوا بالمادة أصلا وقالوا انها انما قصدت في الوجود ليظهر فيها الصور وان المقصود الأول هو الصورة وان من أحاط بالصورة علما فقد استغنى عن الالتفات إلى المادة الا على سبيل شروع فيما لا يعنيه.